قال رئيس وكالة الاستشارات الاستراتيجية للتواصل الإعلامي في واشنطن، سبنسر كريتشلي، إن التصعيد الأمريكي تجاه فنزويلا لا يرتبط بمحاربة المخدرات أو الإرهاب كما يُشاع، بل يأتي في سياق خدمة مصالح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشخصية و"طموحاته الإمبراطورية".
ورأى المستشار السابق للحملة الرئاسية للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في حوار مع "إرم نيوز" أن هذه السياسات تزيد من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، وتضعف التحالفات مع دول أمريكا اللاتينية مثل كولومبيا؛ ما قد ينعكس سلباً على الأمن الإقليمي.
وتالياً نص الحوار:
على عكس ما يفترضه المتشائمون، ليس من الطبيعي أن "يخدع" رئيس الولايات المتحدة الشعب الأمريكي، خصوصاً بشأن أمر خطير مثل احتمال اندلاع حرب، لكن هذا لا يعني أنه لم يحدث من قبل، لكن عندما حدث، اعتُبر انتهاكاً خطيراً لقاعدة أساسية من القواعد الأخلاقية والسياسية، فالشعب في نهاية المطاف هو "رئيس الرئيس"، لكن ترامب يستمر في تضخيم الأمور باستمرار، حول أي شيء وكل شيء.
لذلك علينا أن نفترض أنه لا يقول الحقيقة بشأن دوافعه، وفي هذه الحالة، لا يسعنا إلا أن نتكهن بماهيتها الحقيقية؛ إذ من الواضح أنه غير مهتم بجهد جاد للحد من تهريب المخدرات أو الإرهاب، فالمخدرات القادمة من كولومبيا تمر عبر فنزويلا، لكن فنزويلا نفسها ليست مصدراً رئيساً لها، ومع أن أفراد جماعة "ترين دي أراغوا" هم "مجرمون عنيفون"، إلا أنهم ليسوا مصدراً للإرهاب، وكذلك الأمر بالنسبة لآلاف الفنزويليين الذين يفرون من الاستبداد والانهيار الاقتصادي في بلادهم.
لكن ما يبدو أنه يهم ترامب حقاً هو الإطاحة بنظام (الرئيس الفنزويلي نيكولاس) مادورو، وهو ما حاول فعله أيضاً في ولايته الأولى، والسؤال لماذا؟ نعم، مادورو دكتاتور فاسد وقاسٍ، لكن هذا ينطبق أيضاً على بعض الأشخاص الذين يعتبرهم ترامب من المقربين إليه، مادورو شيوعي، ولكن كذلك اثنان من القادة الذين يُبدي ترامب إعجاباً كبيراً بهم، وهم رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون والرئيس الصيني شي جين بينغ.
أيضاً هناك ثلاثة دوافع محتملة لهذا التصعيد، الأول هو أن ترامب دائم التتبع للمال، لذا قد يكون النفط الفنزويلي هو ما يدفعه لإزاحة مادورو من الطريق، فهو كان غاضباً من أن الولايات المتحدة لم تستولِ على حقول النفط في العراق بعد الحرب هناك.
أما الدافع الثاني فهو أن ترامب أعلن مراراً عن طموحاته الإمبراطورية، فهو ينظر شمالاً ويقول إن خريطة أمريكا "تريد" أن تتمدد لتشمل كندا وغرينلاند.
وفي الاتجاه الآخر، طرح فكرة التوغلات في المكسيك؛ ما يعني ظاهرياً محاربة عصابات المخدرات، وكذلك السيطرة على قناة بنما، أما عندما يتطلع إلى الجنوب أكثر، فإن أول بلد كبير يراه هو فنزويلا، يليه كولومبيا، الحليف الأمريكي الذي يهدده الآن أيضاً، لكن قد يبدو من الخيال أن يستولي فعلاً على هذين البلدين، لكن أفكاره الأخرى لا تقل خيالية، وحتى دون الاستيلاء على الأراضي، ربما يفكر في تنصيب أنظمة عميلة، على غرار النموذج السوفيتي/البوتيني.
ترامب هو ديماغوجي سلطوي كلاسيكي، تعتمد قوته على تخويف الناس بتهديدات مختلقة وتقديم نفسه على أنه الحامي الوحيد لهم؛ إذ تقوم مسيرته السياسية أساساً على تهديدات مفبركة من مهاجرين ذوي بشرة سمراء أو سوداء، وقد وصل كثير منهم من فنزويلا في السنوات الأخيرة، بعد أن ساءت الظروف هناك إلى حد كارثي، ومع أن مادورو هو المتسبب الرئيس في ذلك، فإن العقوبات الخانقة التي فرضها ترامب في ولايته الأولى فاقمت المأساة بشكل كبير.
كما يعتمد أمثال ترامب على مظاهر العنف لإظهار القوة والحفاظ على سلطتهم، وهي مظاهر تُشبع أيضاً احتياجات نفسية لدى الشخصيات السلطوية، وتوفر فنزويلا أهدافاً ضعيفة يسهل استغلالها لمثل هذه العروض، مثل قوارب يُشتبه بأنها تهرّب المخدرات، والتي تُنفّذ ضدها عمليات قتل خارج نطاق القانون، لا يتردد ترامب في عرضها على العالم.
أعتقد أنها سياسية بالكامل، وتخدم مصالح ترامب الذاتية فقط، فالمفترض أن تكون السياسة في خدمة المجتمع، لكن سياسة ترامب لا تخدم إلا ترامب نفسه.
ترامب يغامر بمستقبل فنزويلا، وفي هذه المرحلة من التاريخ الأمريكي والعالمي، لم تعد هناك أعذار لعدم معرفة مدى السوء الذي قد تؤول إليه الأمور، كما أنه يزعزع تحالفنا مع كولومبيا؛ ما يزيد من المخاطر التي تواجهها الولايات المتحدة من ناحية المخدرات، ويكلفها فقدان التعاون الأمني في مجالات أخرى أيضاً.
ومن خلال إضعاف الثقة التي اكتُسبت بشق الأنفس في الولايات المتحدة، قد يُقصي بلاده عن كونها واحدة من الجهات القليلة الموثوقة التي حافظت على النظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية.
للأسباب التي ذكرتها، أعتقد أنها لا تؤدي إلا إلى زيادة التوتر وعدم الاستقرار، دون أي فوائد ملموسة لأي طرف.