المفوضية الأوروبية: نشهد تقدما حقيقيا بفضل التنسيق بين أوكرانيا وأوروبا والولايات المتحدة
في خطابٍ غير مسبوق، لم تكتفِ رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بتوجيه تحذيرات لروسيا، بل أعلنت بوضوح بداية مرحلة جديدة من الاستقلال الأوروبي في مسائل الأمن والدفاع، بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على الولايات المتحدة.
وبحسب "المجلس الأطلسي"، فإن خطاب فون دير لاين الذي ألقته في ستراسبورغ، فرنسا، في 10 سبتمبر، تزامن مع عملية مشتركة للطائرات الأوروبية أسقطت عدة طائرات مسيرة روسية دخلت الأجواء البولندية، في حادثة غير مسبوقة تؤكد قدرة أوروبا على الدفاع عن أراضيها دون انتظار توجيهات من واشنطن.
وذكرت مصادر مطّلعة أن الهجوم الروسي على بولندا دفع حلف الناتو لعقد مشاورات بموجب المادة الرابعة، وهو الإجراء الذي يجمع الدول الأعضاء لمناقشة الرد على أي تهديد لأمن أي دولة عضو، لكن ما يلفت الانتباه هو أن الطائرات التي شاركت في العملية كانت أوروبية بالكامل، يقودها طيارون من هولندا وبولندا، للدفاع عن أوروبا نفسها.
ويرى الخبراء أن كلمات فون دير لاين منذ اللحظة الأولى، كانت حازمة وواضحة: "أوروبا في معركة"، وأضافت "في معركة من أجل قارة حرة ومستقلة، من أجل قيمها وديمقراطياتها، ومن أجل قدرتها على تقرير مصيرها بنفسها"، وقد أكدت أن السلام الأوروبي، الذي لطالما اعتُبر مشروعًا، لم يعد كافيًا في عالمٍ يزداد قسوة، حيث يتم رسم خطوط المعارك الجديدة على أسس القوة والمصالح الإمبراطورية، وأن أوروبا مطالبة بالاستعداد لمواجهة هذا الواقع بنفسها.
وجاء في السياق أن الخطاب لم يكن مجرد شعارات، بل تضمن إجراءات عملية لدعم أوكرانيا، شملت برنامج "الميزة العسكرية النوعية" للاستثمار في قدرات الجيش الأوكراني والتحالف الأوروبي لطائرات الدرونز مع أوكرانيا، بمبلغ 6 مليارات يورو، لتوسيع نطاق استخدامها على الأرض، كما أن تصريحات فون دير لاين أظهرت أيضًا موقف أوروبا الواضح من روسيا، مع إدانة صريحة لانتهاك الأجواء البولندية، ودعوة إلى زيادة الضغوط العسكرية والعقوبات لفرض التفاوض.
وكشف مراقبون أن الأمر اللافت في خطاب فون دير لاين، أنه لم يُركّز على الولايات المتحدة إلَّا في سياق التجارة، دون الإشارة المباشرة إلى الرئيس الأمريكي أو دوره التاريخي في حماية القارة، سواء في الحرب العالمية الثانية أم الحرب الباردة؛ فالرسالة كانت واضحة: "أوروبا لن تنتظر واشنطن بعد الآن، وستتحمل مسؤولية أمنها بنفسها".
وفي ختام خطابها، ذكّرت فون دير لاين الأوروبيين بتاريخهم الحافل بالصراعات والنجاحات: "قبل ثمانين عامًا، كانت قارتنا جحيمًا على الأرض، وقبل أربعين عامًا، كانت مقسمة بجدار، لكن في كل مرة، قرَّر الأوروبيون القتال من أجل مستقبل أفضل، وهذه هي الروح التي سنواصل السعي لتحقيقها كلّ يوم لتظل أوروبا حرة وقوية".
ومن المرجّح أن كلمات فون دير لاين، كانت أكثر من مجرد دعوة للقتال ضد روسيا؛ إذ إنها تمثل إعلان ميلاد أوروبا مستقلة في أمنها ودفاعها، وإشارة صريحة إلى أن عهد الاعتماد على واشنطن انتهى، وأن أوروبا على وشك كتابة فصل جديد من تاريخها العسكري والسياسي.