مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان

logo
العالم

"الصمت المريب".. ظل فرنسا يُخيّم على أزمة "جيل زد" في مدغشقر

جانب من احتجاجات "جيل زد" في مدغشقرالمصدر: (أ ف ب)

يجسّد موقف باريس في دعمها "غير المعلن" لرئيس مدغشقر، أندريه راجولينا، ما يمكن وصفه بـ"الصمت المريب"، بينما تقمع قوات الأمن هناك الاحتجاجات بعنف منذ سبتمبر الماضي، بحسب خبراء.

ورغم أن احتجاجات "الجيل زد" أشعلت التوترات بين فرنسا ومدغشقر بشأن تسليم النشطاء السياسيين المقيمين في باريس، والذين تُوجّه إليهم تهم بالمساهمة في "زعزعة استقرار" البلاد، إلا أن مراقبين اعتبروا هذه الحادثة معزولة، في ظل استمرار الدعم الفرنسي لحليفها راجولينا.

ومنذ 25 سبتمبر الماضي، تشهد مدغشقر واحدة من أخطر الأزمات السياسية في تاريخها الحديث؛ فبينما بدأت كحركة احتجاجية ضد الانقطاعات المتكررة للمياه والكهرباء، سرعان ما تحوّلت إلى تحدٍّ واسع النطاق لنظام راجولينا، حيث يطالب شباب مدغشقر باستقالة الرئيس فورا.

ووفقا للأمم المتحدة، قُتل ما لا يقل عن 22 شخصا وجُرح أكثر من 100 آخرين جرّاء الحملة القمعية التي شنتها قوات الأمن، وقد استُخدم الغاز المسيل للدموع، والذخيرة الحية، والمركبات المدرعة على نطاق واسع في شوارع أنتاناناريفو ومدن رئيسة أخرى في أنحاء الجزيرة، وسط ترهيب للصحفيين، واعتقالات تعسفية للمتظاهرين، وتدهور متسارع نحو الاستبداد.

غياب فرنسي لافت

في مواجهة هذا الوضع المأساوي، اتّسم رد فعل فرنسا بالتقصير والغياب، فبينما عرض الاتحاد الأفريقي المساعدة في إيجاد مخرج للأزمة، وأدانت الأمم المتحدة علنا العنف المفرط، اكتفت باريس بإصدار رسائل أمنية لمواطنيها، دون أن تُصدر أي موقف علني بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، أو استخدام القوة غير المتناسب، أو حتى دعوة لاحترام حرية التظاهر.

ويرى خبراء أن هذا التحفّظ الفرنسي ليس بريئا، بل يعكس تقليدا راسخا من دعم باريس لأنظمة في القارة الأفريقية؛ فأندريه راجولينا ليس مجرد رئيس دولة في نظر باريس، بل هو مواطن فرنسي.

وكان تحقيق صحفي فرنسي كشف، في يونيو 2023، عن حصول راجولينا على الجنسية الفرنسية في نوفمبر 2014؛ ما أثار فضيحة سياسية داخل مدغشقر. ويُعتقد على نطاق واسع أن هذا التجنّس، الذي تم خلال فترة ابتعاده المؤقت عن الحياة السياسية، جاء ثمرة مفاوضات هدفت إلى تسهيل خروجه من السلطة بعد انقلاب عام 2009.

مفارقة الاستعمار والجنسية

ومن المفارقات اللافتة، أن الرئيس الذي يتبنّى خطابا قوميّا مناهضا للاستعمار، ويطالب بشدة باستعادة الجزر الفرنسية المتنازع عليها، يحمل جواز سفر فرنسيّا منذ أكثر من عشر سنوات.

ويتمتع هو وزوجته وأطفاله الثلاثة بكامل مزايا جنسية القوة الاستعمارية السابقة، في الوقت الذي يعيش فيه الشعب الملغاشي، الذي يدّعي الدفاع عنه، في فقر مدقع، محروما من أبسط الخدمات كالمياه والكهرباء.

جانب من احتجاجات "جيل زد" في مدغشقر

دعم قديم متجدد

ولم يكن الدعم الفرنسي لراجولينا وليد اللحظة؛ ففي عام 2009، حين استولى على الحكم عبر انقلاب غير دستوري أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيّا، مارك رافالومانانا، أعرب المجتمع الدولي عن استنكاره الشديد، وعلّق الاتحاد الأفريقي عضوية مدغشقر، كما رفضت مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية (سادك) الاعتراف بالحكومة الجديدة، ووصفت الولايات المتحدة ما حدث بأنه "انقلاب".

وفي المقابل، تبنّت فرنسا موقفا أكثر غموضا، فعلى الرغم من أن الرئيس نيكولا ساركوزي دعا علنا إلى تنظيم انتخابات "في أقرب وقت ممكن"، فإن باريس واصلت عمليّا دعمها للحكومة الانتقالية، وسارعت إلى الاعتراف بنظام راجولينا. بل إن السفير الفرنسي آنذاك، جان مارك شاتينييه، قدّم أوراق اعتماده للرئيس الانتقالي، مانحا سلطته شرعية فعلية.

وتعزّز هذا التقارب في السنوات التالية. ففي يونيو 2023، وقبل أشهر من الانتخابات الرئاسية التي شهدت منافسة محتدمة، استقبل الرئيس إيمانويل ماكرون نظيره الملغاشي في قصر الإليزيه.

وفي ختام اللقاء، أعلنت الرئاسة في مدغشقر أن "فرنسا تدعم بقوة جهود تنظيم انتخابات حرّة وشفافة وديمقراطية"، بل تعهّدت باريس بالمساهمة في تمويل العملية الانتخابية.

ورغم إعلان راجولينا فوزه في الجولة الأولى من الانتخابات، التي جرت في نوفمبر 2023، بحصوله على نحو 59% من الأصوات، إلا أن نتائجها وُوجهت باتهامات واسعة بالتزوير.

جانب من احتاجاجات "جيل زد" في مدغشقر

إرث "فرانس أفريك"

يُنظر إلى هذا الغموض الفرنسي مع راجولينا كجزء من نمط تاريخي يُعرف باسم "فرانس أفريك"، أي التحالف الفرنسي الأفريقي، وهو نمط من العلاقات التي استمرت بعد نهاية الاستعمار، بهدف الحفاظ على نفوذ باريس في "فنائها الخلفي" الأفريقي، حتى لو كان ذلك على حساب دعم أنظمة استبدادية وفاسدة.

ولا تزال مدغشقر من أفقر دول العالم؛ إذ تحتل المرتبة 140 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد. وتتجاوز ساعات انقطاع المياه والكهرباء 120 ساعة أسبوعيًّا في بعض الأحياء، ولا يحصل على الكهرباء سوى ثلث السكان، فيما يعيش أكثر من 90% من المواطنين تحت خط الفقر.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC