نجحت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تحقيق اختراق كبير في السياسة الخارجية من خلال استراتيجية غير تقليدية لإعلان النصر قبل استكمال تفاصيل الاتفاق، وهو أسلوب يختلف عن الممارسات الدبلوماسية التقليدية التي كانت تتبعها الإدارات السابقة، بما فيها إدارة أوباما، والتي تركز على حل النزاعات خلف الكواليس قبل الإعلان عن أي اتفاق.
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أنه عندما أعلن ترامب عن إنهاء الحرب المستمرة عامين في غزة في البيت الأبيض، مهنئًا مبعوثه ستيف ويتكوف، ووزير الخارجية ماركو روبيو، وصهره جاريد كوشنر على أدوارهم، كانت الفرق الفنية لا تزال تعمل على تفاصيل عدة قضايا محورية مثل خطوط الانسحاب الإسرائيلية وقوائم الأسرى الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح رهائن إسرائيليين.
ووفقًا لمسؤول أمريكي كبير، فإن المفاوضين الأمريكيين خلصوا إلى أن الاتفاق "قريب بما فيه الكفاية" ليعلنه الرئيس، مع التحذير من أن "الاحتمالات لحدوث خطأ ما ما تزال قائمة".
تتميز هذه الاستراتيجية بقدرتها على خلق شعور بالحتمية، كما لاحظ دانيال كورتزر، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل ومصر، إذ تصبح أي مقاومة من الأطراف المعنية أقل قدرة على الاعتراض: "من يريد أن يكون الطرف الذي يمنعه من الإعلان على منصة الكنيست أنه يستحق جائزة السلام؟".
وأشارت الصحيفة إلى أن مفتاح النجاح في التوصل إلى وقف إطلاق النار كان هو الضغط المباشر الذي مارسه ترامب على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان مترددًا في إنهاء الحرب.
ووفقًا لمسؤولين شاركوا في المفاوضات، شملت التكتيكات مكالمات هاتفية واجتماعات استثنائية تتطلب درجة عالية من الحماس والالتزام، ما أدى إلى فرض شعور بالضغط على نتنياهو، وفق تعبير روبيو.
على الجانب الآخر، لجأت حماس والوسطاء العرب مثل قطر ومصر وتركيا إلى دبلوماسية مكثفة لضمان قبول الطرف الفلسطيني بالصفقة.
وقال غيرشون باسكين، المفاوض الإسرائيلي في ملف الرهائن: "كان نتنياهو محاصرًا، وحماس محاصرة"، موضحًا أن الاجتماع على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي أبلغ فيه ترامب المسؤولين العرب استعداده لوضع حد مع نتنياهو، عزز من سرعة التوصل إلى الاتفاق.
كما كان لتصريحات ترامب حول عدم السماح بضم الضفة الغربية أثر ملموس، إذ صدم هذا الإعلان اليمين الإسرائيلي المتشدد وأجبر نتنياهو على تعديل حساباته الاستراتيجية.
وقد أكد دبلوماسيون أن هذه الضغوط المكثفة عبر المنصات العلنية والخلفية ساهمت في دفع الأطراف إلى قبول المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، بما يشمل تبادل الأسرى ووقف الأعمال العدائية في قطاع غزة.
اتبعت إدارة ترامب نهجًا مختلفًا عن الدبلوماسية التقليدية، حيث فضّل الرئيس الاعتماد على صانعي صفقات مثل ويتكوف وكوشنر لتجاوز القنوات الرسمية والتقليدية، التي غالبًا ما استغرقت أسابيع أو شهورًا بدون نتائج واضحة.
ووفقًا للمحللين، كان أسلوبهم أقرب إلى صفقة تجارية عالية المخاطر: وضع عرض على الطاولة، والإشارة إلى الاستعداد للانسحاب، وانتظار الطرف الآخر "ليهز سرواله ويقول نعم"، كما وصف باسكين.
في أواخر سبتمبر/ أيلول، أعلن ترامب خطة واسعة النطاق من عشرين نقطة تشمل إطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب في غزة، وذلك في حدث رسمي إلى جانب نتنياهو.
وقد ترك هذا الإعلان للمفاوضين فرصة معالجة التفاصيل الحساسة لاحقًا، بما في ذلك نزع سلاح حماس ونشر قوة متعددة الجنسيات في غزة، وهي قضايا اختارت الفرق الفنية عدم التطرق إليها في المرحلة الحالية.
ويؤكد دبلوماسيون ومحللون أن أسلوب الإعلان المسبق عن النصر خلق شعورًا بالحتمية، إذ ضيّق هامش المناورة على الأطراف المتحاربة، بينما ركز المفاوضون الأمريكيون على تسوية التفاصيل الجوهرية لاحقًا.
وقد اعتبر آرون ديفيد ميلر، المفاوض السابق في شؤون الشرق الأوسط، أن ترامب هو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي استطاع إجبار رئيس وزراء إسرائيلي على قبول مقترح سلام أمريكي بهذه الطريقة، مؤكدًا أن الرئيس "ذهب إلى حيث لم يسبق لأي رئيس أن ذهب".
وبالرغم من أن الإعلان المبكر نجح في تأمين المرحلة الأولى من الاتفاق، إلا أن التنفيذ الكامل يتطلب متابعة دقيقة، حيث يظل مستقبل غزة بعد الحرب ومسألة نزع سلاح حماس وإدارة الضفة الغربية أسئلة مفتوحة.
ويشير خبراء إلى أن الاستراتيجية القائمة على إعلان النصر وترك الأطراف لتسوية التفاصيل أثبتت نجاحها حتى الآن، لكنها ستظل بحاجة إلى تركيز مستمر ونفوذ قوي من جانب ترامب ومستشاريه لضمان استدامة السلام.