مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان
في واحدة من أكثر المعارك تعقيدًا منذ اندلاع الحرب، فشلت عملية "آفي ماريا" التي أطلقتها كييف مطلع أكتوبر الماضي في فك الحصار عن مدينة بوكروفسك بشرق البلاد، لتتحول إلى رمز جديد لفشل الخطط الأوكرانية أمام التقدم الروسي المتدرّج.
وبحسب تقرير شبكة Réseau International الفرنسية، فقدت القوات الأوكرانية السيطرة الكاملة على تجمع بوكروفسك – ميرنوغراد، بعدما أحكمت القوات الروسية الطوق من الشرق والغرب وأغلقت الممرات الجوية والبرية عبر طائراتها المسيّرة.
وأكدت مصادر عسكرية أن أوكرانيا أرسلت قوات خاصة على متن مروحيات بلاك هوك في محاولة لفتح ممر إمداد نحو المدينة، إلا أن العملية تعرضت لإخفاق كبير، حيث تم تدمير وحدات الإنزال بالكامل تقريبًا، وفق صور وتحقيقات ميدانية منشورة على شبكات الرصد العسكري.
وكشفت المصادر أن العملية أشرف عليها رئيس الاستخبارات العسكرية كيريلو بودانوف، وأن تسريب تفاصيلها إلى وسائل الإعلام كان محاولة من خصومه السياسيين لتشويه سمعته.
ورجّحت المصادر أن فشل العملية يعود إلى نقص التنسيق والاستخفاف بالقدرات الروسية في الحرب الإلكترونية واستخدام الطائرات المسيّرة.
وعلى وقع هذه العملية، تحوّلت الهزيمة الأوكرانية في بوكروفسك إلى ورقة صراع سياسي بين القيادات، وسط اتهامات لزيلينسكي بالتضحية بجنوده في معارك خاسرة لأسباب انتخابية، بالإضافة إلى خلافات حادة داخل المؤسسة العسكرية، واتهامات لبودانوف بالتهور في التخطيط لعمليات فاشلة أودت بحياة العشرات من عناصر النخبة.
ويرى الخبراء أن فشل عملية "آفي ماريا" في فك الحصار عن بوكروفسك يعكس مرحلة حرجة في الحرب الأوكرانية، ومع ذلك فإن كييف لن تسقط إلا إذا تخلى عنها الغرب فعليًا.
وأكد الخبراء أن المعركة تحوّلت إلى سباق مع الزمن لتأمين الانسحاب وإعادة التجميع، ما يثير مخاوف حقيقية من بداية انهيار الجبهات الأوكرانية إذا استمر الضغط الروسي الحالي.
وقال بسام البني، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن بقاء أوكرانيا في المعركة مرتبط باستمرار الدعم الغربي، موضحًا أن كييف لن تسقط إلا إذا تخلى عنها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
وأوضح البني في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن واشنطن ما زالت تدعم أوكرانيا سياسيًا وعسكريًا، لكن بطريقة غير مباشرة، عبر بيع الأسلحة لدول الناتو التي تقوم لاحقًا بتوريدها إلى كييف.
وأضاف المحلل السياسي أن القوات الأوكرانية، رغم الخسائر الميدانية الكبيرة وتقدّم الجيش الروسي على عدة جبهات، لا تزال تمتلك خطوطًا دفاعية جديدة تمكّنها من الصمود في المدى القريب.
وأشار إلى أنه في حال قررت موسكو التوغّل بعمق أكبر داخل الأراضي الأوكرانية، فقد تشهد الجبهات انهيارات متتالية، لكن الانهيار الكامل للجيش الأوكراني ما زال مستبعدًا طالما أن أوروبا لم تتراجع فعليًا عن دعمها لكييف.
واعتبر الخبير في الشؤون الروسية أن الحرب في أوكرانيا تحوّلت إلى ساحة مواجهة استراتيجية بين الشرق والغرب، وأن الغرب لا يدعم كييف لأسباب عسكرية فحسب، بل لاستنزاف روسيا سياسيًا واقتصاديًا على المدى الطويل.
وتوقع بسام البني أن تكون الأشهر المقبلة حاسمة في رسم ملامح مستقبل الصراع وتحديد اتجاه الموقف الدولي منه.
من جانبه، قال إيفان يواس، مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني، إن القوات الروسية كثّفت محاولاتها للسيطرة على مدينة بوكروفسك خلال الأشهر الماضية، لكنها فشلت في تحقيق اختراق حاسم رغم الدعم اللوجستي الكبير والطائرات المسيّرة التي تستخدمها.
وأشار في تصريحات لـ"إرم نيوز" إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حدّد يوم 15 نوفمبر 2025 موعدًا مستهدفًا للسيطرة على المدينة باعتبارها هدفًا استراتيجيًا، غير أن الوضع لا يزال معقدًا للغاية، خاصة وأن القوات الأوكرانية تمكنت مطلع هذا الأسبوع من وقف التمدد الروسي في الشمال ومنع قطع الطريق الحيوي نحو رودينسكي.
وأضاف أن مشاركة قوات الإنزال التابعة لمديرية المخابرات الأوكرانية في الدفاع عن بوكروفسك لا تعني التحضير لهجوم مضاد شامل، بل تهدف إلى إبطاء التقدم الروسي وتأمين انسحاب منظّم للوحدات الأوكرانية من المنطقة المحاصَرة.
وأوضح مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني أن القوات الخاصة تُستخدم لتنفيذ ضربات دقيقة وتأخير تحركات العدو بهدف كسب الوقت وتأمين الإجلاء وإعادة تجميع القوات خلال الأيام المقبلة، مضيفًا أن هذه الاستراتيجية باتت ضرورية في ظل محدودية الأفراد والمعدات.
ولفت يواس إلى أن الحرب التي كانت موسكو تخطط لإنهائها خلال شهرين فقط باتت على أبواب عامها الرابع، فيما تحوّلت معركة بوكروفسك إلى واحدة من أطول المواجهات المستمرة منذ نحو عام، رغم الوعود الروسية المتكررة بحسمها قبل نهاية 2024.