logo
العالم

فرنسا.. هل يستطيع ماكرون العفو عن ساركوزي؟

ماكرون وساركوزي المصدر: أرشيف - ا ف ب

أثار الحكم الصادر بحق الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي بالسجن 5 سنوات، بينها ثلاث سنوات نافذة مع تنفيذ فوري، في قضية التمويل الليبي لحملته الانتخابية عام 2007، عاصفة سياسية وقانونية في فرنسا.

أصوات من اليمين سارعت إلى المطالبة بمنحه عفوًا رئاسيًا باعتباره "مسألة تتعلق بكرامة المؤسسات"، في وقت يرى خبراء القانون الدستوري أن ذلك شبه مستحيل في المرحلة الحالية.

غضب في صفوف اليمين

القرار الذي أصدرته محكمة باريس، وأرفقته بقرار الإيداع في السجن، فجّر موجة احتجاج بين مؤيدي ساركوزي، فالنائب الجمهوري ستيفان لو رودولييه أعلن أنه سيوجه رسالة رسمية إلى الرئيس إيمانويل ماكرون لطلب العفو، محذرًا من "خطر على الديمقراطية إذا ظهر مشهد رئيس سابق يدخل سجن لا سانتيه".

أما المستشار السابق لساركوزي، هنري غينو، فاعتبر أن "تنفيذ العقوبة بشكل فوري يشكل إهانة للدولة"، مقترحًا أن يقتصر العفو على هذه النقطة تحديدًا دون المساس بحق ساركوزي في استئناف الحكم.

أخبار ذات علاقة

زنزانة فردية في باريس.. في أي سجن سيقضي ساركوزي عقوبته؟

زنزانة فردية بباريس.. أي سجن سيقضي فيه ساركوزي عقوبته؟

ما هو العفو الرئاسي؟

تنص المادة 17 من الدستور الفرنسي على أن "رئيس الجمهورية له الحق في منح العفو الفردي، لكن العفو يختلف عن العفو العام أو العفو التشريعي، إذ لا يلغي الحكم بل يعفي المحكوم عليه كليًا أو جزئيًا من تنفيذ العقوبة. يبقى الحكم مسجلًا في السجل القضائي، لكنه يوقف تنفيذ العقوبة أو يخففها.

ومنذ تعديل دستور 2008، لم يعد العفو يستخدم بشكل جماعي، بل فردي فقط. ويحتاج أي مرسوم بالعفو إلى توقيع الرئيس ورئيس الوزراء ووزير العدل، لكنه لا يخضع لرقابة البرلمان أو الطعن القضائي.

عقبة أمام ساركوزي

رغم أن النص الدستوري لا يشترط حكمًا باتًا، إلا أن الفقه القانوني السائد يربط العفو بصدور حكم نهائي وقابل للتنفيذ.

في حالة ساركوزي، الحكم ما زال خاضعًا للاستئناف، ما يعني أن أي عفو الآن سيكون بلا جدوى، إذ يمكن أن يُدان مجددًا ويضطر لتقديم طلب عفو جديد.

كما يرفض الرئيس الأسبق فكرة طلب العفو بنفسه، معتبرًا – وفق ما نشر في "لو جورنال دو ديمانش" –  أن ذلك يعني ضمنيًا اعترافه بالذنب، وهو ما لا يقبله.

أخبار ذات علاقة

الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي والزعيم الليبي الراحل معمر القذافي

من الإليزيه إلى السجن.. كيف وقع ساركوزي في "فخ" أموال القذافي؟ (فيديو إرم)

سوابق تاريخية

تاريخ الرؤساء الفرنسيين مع العفو الرئاسي يكشف اختلافًا كبيرًا في التعامل مع هذا الحق. فقد استخدم الرئيس جورج بومبيدو سلطته في العفو بشكل واسع وأصدر أكثر من ألفي عفو خلال ولايته، بينما لجأ فاليري جيسكار ديستان إلى هذا الإجراء بوتيرة أقل، لكنه لم يتردد في استعماله مئات المرات.

ومع فرانسوا ميتران، تراجع العدد قليلًا، لكنه ظل حاضرًا كأداة سياسية وقانونية، ثم واصل جاك شيراك هذا التقليد مع أعداد أقل نسبيًا. المثير أن نيكولا ساركوزي نفسه، عندما كان رئيسًا، لم يتردد في استخدام هذا الحق، ومنح العفو في عشرات الحالات، بينها قضية المحافظ جان- شارل مارشياني التي أثارت حينها جدلًا واسعًا.

أما خلفاؤه، فقد اتسموا بمزيد من التحفّظ: فرانسوا أولاند اكتفى بعدد محدود جدًا من قرارات العفو، بينما قلّص إيمانويل ماكرون استخدام هذا الحق إلى الحد الأدنى، ولم يلجأ إليه إلا مرة واحدة منذ عام 2017، في حالة إنسانية استثنائية.

أخبار ذات علاقة

الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي

ساركوزي يعلن عزمه استئناف الحكم بسجنه ويؤكد براءته

رأي خبير قانوني

يقول دومينيك شانيولو، أستاذ القانون الدستوري والرئيس السابق للمجلس الأعلى للقضاء لصحيفة "لوفيغارو" إن سلطة العفو الممنوحة لرئيس الجمهورية تعود إلى تقليد ملكي قديم أُلغي مع الثورة، ثم أعيد إحياؤه بأشكال مختلفة حتى كرّسه دستور الجمهورية الثالثة كحق سيادي.

وفي الجمهورية الرابعة، أوكلت الصلاحية إلى المجلس الأعلى للقضاء، قبل أن يستعيدها رئيس الدولة كاملة مع قيام الجمهورية الخامسة عام 1958.

غير أن هذا الامتياز يثير جدلاً دستوريًا، إذ يُعد تدخلًا في عمل القضاء ويتعارض مع مبدأ فصل السلطات الذي يُفترض أن يحمي استقلاليته.

وأوضح أن استمرار "العفو عن ساركوزي يبدو أمرًا غير وارد حاليًا. فلا يمكن للرئيس استخدام هذا الحق إلا بعد صدور حكم نهائي واستنفاد جميع درجات التقاضي. هذا قد يستغرق ما لا يقل عن 18 شهرًا، وربما بعد انتهاء ولاية ماكرون الرئاسية. وحتى لو صدر العفو، فإنه لن يمحو الحكم القضائي، بل سيوقف فقط تنفيذ العقوبة".

ويضيف الخبير أن أي قرار رئاسي بالعفو عن ساركوزي في هذه المرحلة "سيثير عاصفة سياسية وقانونية غير مسبوقة، وقد يُنظر إليه كانتهاك لمبدأ فصل السلطات".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC