رأى خبراء سياسيون فرنسيون، أن الموقف الأوروبي من القمة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في ألاسكا، التي لم تسفر عن أي اتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، رغم الحديث عن تفاهمات مبدئية، جاء حذراً، مع التشديد على ضرورة إشراك كييف في أي تسوية، في وقت ترفض فيه أوكرانيا تقديم أي تنازلات في أراضيها.
واعتبروا أنه في حين خرج بوتين بمكاسب رمزية وسياسية، لم يحقق ترامب أي اختراق دبلوماسي حقيقي.
وبعد 3 ساعات من انطلاق المحادثات بين ترامب وبوتين، تم الإعلان بشكل مفاجئ عن اختتام القمة، حيث عقد الرئيسان مؤتمراً صحفياً مشتركاً تبادلا فيه كلمات الثناء لكنهما لم يجيبا عن أسئلة الصحفيين، وهو أمر غير معهود بالنسبة لرئيس أمريكي يولي الإعلام أهمية كبيرة.
وغادر ترامب وبوتين ألاسكا عقب انتهاء قمتهما، وأقلعت طائرتا الرئيسين من قاعدة إلمندورف ريتشاردسون الجوية التي استضافت القمة بفارق دقائق، بعد عقدهما محادثات تركزت حول الحرب المستمرة في أوكرانيا.
وقالت الباحثة السياسية الفرنسية آنا بوفرو، المتخصصة في العلاقات الدولية والدراسات الإستراتيجية في الشأن الروسي لـ"إرم نيوز"، إن قمة ألاسكا "كرست مشهداً رمزياً إستراتيجياً لبوتين عبر ظهوره على الأراضي الأمريكية"، موضحة أن الرئيس الروسي استثمر في الرمزية أكثر من المضمون.
وأضافت أن "الأوروبيين وجدوا أنفسهم في موقع المتفرج من دون أي تأثير فعلي، إذ استُبدلت عوالم التفاوض بلقطات دبلوماسية بلا محتوى حقيقي".
وشددت بوفرو على أن أوروبا مطالبة، اليوم، بأن تكون أكثر جدية في لعب دور فاعل، داخلياً وخارجياً، لا أن تكتفي بردود الأفعال إزاء ما تفرضه الدبلوماسيتان الأمريكية والروسية.
وأوضحت بوفرو أن القمة في ألاسكا تعكس، قبل كل شيء، "نجاح بوتين في فرض نفسه لاعباً لا يمكن تجاوزه، حتى وهو في موقع المعتدي". وقالت إن "الرئيس الروسي يدرك أن مجرد جلوسه إلى الطاولة مع رئيس الولايات المتحدة يعطيه شرعية رمزية هائلة، في وقت يسعى فيه إلى إظهار أن عزلة موسكو قد انتهت".
وأضافت الباحثة الفرنسية أن "غياب إستراتيجية أوروبية واضحة يسمح لبوتين بالتحرك بحرية أكبر، فبينما ينشغل الأوروبيون في إدارة أزماتهم الداخلية، يواصل الكرملين بناء نفوذه مستخدماً ورقة الحرب في أوكرانيا كورقة مساومة على الساحة الدولية".
كما شددت بوفرو على أن "الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة لحماية المصالح الأوروبية يضعف الموقف الأوروبي"، مؤكدة أن المطلوب هو "تطوير سياسة خارجية وأمنية موحدة تجعل من الاتحاد الأوروبي طرفاً مقرراً، لا مجرد تابع لخيارات واشنطن".
وختمت بالقول إن "أوروبا تمتلك بالفعل عناصر القوة: سوق اقتصادية ضخمة، قدرات تكنولوجية وعسكرية، ونفوذ دبلوماسي واسع، لكنها لا تحسن استخدام هذه الأوراق. ولعل درس قمة ألاسكا هو أن الأوروبيين بحاجة إلى إدراك قوتهم الكامنة قبل أن يفرض الآخرون قواعد اللعبة على حسابهم".
من جانبه، أوضح الباحث الفرنسي أوليفييه فيدرين، الذي عمل لسنوات في روسيا ويقيم، حالياً، في أوكرانيا، أن "بوتين خرج منتصراً من القمة رغم غياب أي اتفاق، فقط عبر مساواته بالرئيس الأمريكي ومن دون أن يواجه أي ردع حقيقي".
وأضاف فيدرين لـ"إرم نيوز"، أن "اللقاء كشف عن غياب الوحدة الأوروبية، في حين أن مواجهة المخططات الروسية لتقسيم الإقليم أو إضعاف التضامن الغربي تتطلب قوة ردع جماعية".
وأكد أن القمة "كرست حقيقة أن أوروبا ليست في موقع القرار بل مجرد مراقب غير فعّال، ما يستوجب صياغة سياسة أوروبية أقوى، وموقفاً مشتركاً أكثر صلابة".
وأوصى الباحث الفرنسي بضرورة بناء إستراتيجية أوروبية مستقلة تقوم على الصلابة السياسية لا على الرمزية الإعلامية، والعمل على تعزيز الردع الدبلوماسي والعسكري تجاه روسيا، مع التأكيد على أن أي تسوية مستقبلية يجب أن تكون شاملة لأوكرانيا كطرف أساس، لا مجرد تفاهمات ثنائية بين واشنطن وموسكو.
مكاسب لبوتين
أما من وجهة نظر الإعلام الفرنسي، فقد أشارت صحيفة "لوموند" الفرنسية إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فشل في انتزاع وقف لإطلاق النار من نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال قمتهما في أنكوراغ بألاسكا، إذ لم يكشف عن أي اتفاق أو تفاصيل حول ما جرى التفاوض عليه، مشيرة إلى أن عجز ترامب عن الضغط على بوتين دفعه إلى زيادة الضغط على الأوكرانيين والأوروبيين في مسار تسوية النزاع.
وأضافت الصحيفة أن القمة، التي رفعت تحت شعار "في سبيل السلام"، أثارت مخاوف من أن تتحول إلى "ميونيخ جديدة" أو "يالطا ثانية".
من جهتها، رأت مجلة "لوبوان" الفرنسية أن القمة مخيبة للآمال للأوروبيين، وأن بوتين نجح في استغلال قمة ألاسكا مع ترامب لإرسال رسالة واضحة للعالم مفادها أنه لم يعد معزولاً دولياً، بعد 3 سنوات من التهميش ومذكرة التوقيف الصادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية.
ورأت المجلة أن ترامب، بابتسامته وحماسه وفرشه السجاد الأحمر لبوتين، منح الرئيس الروسي فرصة ثمينة للعودة إلى الساحة الدبلوماسية وكسب "حرب المعلومات" ضد أوكرانيا، لكنه عاد إلى واشنطن خالي الوفاض من دون اتفاق لوقف إطلاق النار، مكتفياً بحديث غامض عن "تقدم مهم".
بدورها، قالت محطة "فرانس إنفو" الفرنسية إن لقاء الرئيسين الأمريكي والروسي في أنكوراج بألاسكا يتسم بالمصافحات والابتسامات وأجواء ودية، لكنه لم يسفر عن أي إعلان ملموس بشأن مستقبل الحرب في أوكرانيا، حيث وصفه ترامب بـ"المنتج للغاية" وبوتين بـ"البناء"، من دون الكشف عن تفاصيل المفاوضات أو نقاط الخلاف.