تُعيد حركة طالبان الباكستانية بناء قدراتها، منفّذة عمليات جريئة انطلاقاً من الجبال الوعرة، مخالفة كل التحليلات العسكرية، لتشكّل أكبر تهديد تواجهه الدولة الواقعة في جنوب آسيا منذ اثني عشر عاماً.
وتشنّ طالبان الباكستانية حرب عصابات لا هوادة فيها ضد قوات الأمن، مختبرة ضعف قبضتها على المناطق الغربية الجبلية من البلاد على طول الحدود مع أفغانستان، في الأماكن ذاتها التي كانت قد شهدت مواجهات سابقة قبل أربع سنوات خسر فيها الجيش مئات الأفراد المسلحين، وشرّد عشرات الآلاف، وأجّج غضب المجتمعات المحلية.
ويهدّدُ هذا النشاط المسلح المتزايد، وفق صحيفة "نيويورك تايمز"، مكانة باكستان كقوة عسكرية عظمى في جنوب آسيا، وهي مكانة اتخذت إجراءات لتعزيزها هذا العام، إذ يرى محللون أمنيون أن حركة طالبان الباكستانية شكّلت تحدياً أمنياً "عنيفاً" يعيد البلاد سنوات إلى الوراء.
ومنذ تولي طالبان السلطة في أفغانستان عام 2021، نمت "الحركة الباكستانية"، لتصبح جماعة قوية ومنظمة تنظيماً جيداً، إذ تلقّت القيادة دعماً مالياً من الحكومة الأفغانية، وتدرّب مقاتلوها وانسحبوا بحرية عبر الحدود، وفقاً لمسؤولين عسكريين باكستانيين وخبراء مستقلين وخبراء من الأمم المتحدة.
وبحسب أسفنديار مير، الزميل البارز في برنامج جنوب آسيا في مركز ستيمسون في واشنطن، فإن حركة طالبان الباكستانية تمكّنت من تأكيد نفسها، و"بدأ ميزان القوى يميل ضد قوات الأمن"، وهو توقيت سيئ في ظل تهديدات خارجية تواجهها البلاد مع جارتها اللدود، الهند.
ومع تزايد تعقيد عمليات حركة طالبان باكستان، أصبحت الحركة "تستهدف الشرطة والجنود الباكستانيين أكثر من المدنيين، مع أن المواطنين العاديين ما زالوا يقعون ضحايا متكررة للنيران المتبادلة"، بحسب التقارير الصحفية.
وارتفعت الهجمات الإرهابية في باكستان العام الماضي إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2015، مدفوعة إلى حد كبير بعمليات حركة طالبان باكستان، وفقًا لمعهد باك لدراسات السلام، وهو مركز أبحاث. وقد جعلت هذه الهجمات باكستان ثاني أكثر الدول تضررًا من الإرهاب، وفقاً للمؤشر العالمي.
وأصبحت مقاطعة باجور، الواقعة على الحدود مع أفغانستان، مركزاً للصراع الدائر في إقليم خيبر بختونخوا، إذ فرّ السكان المحليون من منازلهم بسبب المعارك الدائرة بين الجيش الباكستاني وحركة طالبان الباكستانية. وحُوّلت المدارس إلى ملاجئ، ورُصّت المقاعد الدراسية في صفوف أنيقة، وأصبحت الآن مكدسة على الجدران لإفساح المجال للعائلات التي شرّدها القتال.
أصبحت حركة طالبان باكستان أكثر تركيزاً على الاشتباكات المباشرة والهجمات على القوات العسكرية، كما تقول بيرل بانديا، المحللة في مؤسسة بيانات مواقع وأحداث الصراعات، مضيفة أن باكستان حاولت تجنّب عملية عسكرية شاملة، لكنها لم تكن مستعدة أيضاً للتعاطي مع المظالم المحلية.
وأثارت البيئة المتساهلة التي تتمتع بها حركة طالبان الباكستانية في أفغانستان غضب المسؤولين الذين اتهموا طالبان الأفغانية بـ "التواطؤ" في الهجمات التي تنفذ عبر الحدود.
وتنقل "نيويورك تايمز"، عن الفريق أحمد شريف شودري، المتحدث باسم القوات المسلحة الباكستانية، قوله عن أفغانستان: "نطلب شيئاً واحداً: لا تسمحوا باستخدام مساحتكم كأرضية لزعزعة الاستقرار داخل باكستان".
واتهم مسؤول عسكري باكستاني كبير، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول له بمناقشة مسائل الأمن القومي علنا، حركة طالبان الباكستانية بأنها "متواطئة" مع حركة طالبان الأفغانية، لكنه أقر بأن حركة طالبان الباكستانية، من خلال تجنيب المدنيين، تجنبت ردود فعل عنيفة واسعة النطاق من المجتمعات المحلية، وفق قوله.