أعلن الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، استعداد بلاده لبناء محطة نووية جديدة شرقي البلاد؛ بهدف تزويد روسيا والمناطق الأوكرانية الخاضعة لسيطرتها بالكهرباء، في خطوة تكشف أبعاد الصراع على مستقبل أوكرانيا.
العرض الذي طرحه لوكاشينكو خلال لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين، لم يكُن مجرد مبادرة اقتصادية، بل رسالة سياسية تعكس عمق الارتباط بين موسكو ومينسك في لحظة إقليمية شديدة الحساسية، كما أن استخدامه لمصطلح "المناطق المحررة" يؤكد تبنيه الكامل للخطاب الروسي في وصف الأراضي التي ضمتها بالقوة.
من جانبه قال لوكاشينكو بوضوح، إن بلاده ستباشر فورًا بناء وحدة نووية أو محطة كاملة إذا كان هناك طلب من روسيا، مؤكدًا أن التمويل "ليس مشكلة"؛ ما يعكس أن المشروع لا يُنظر إليه كعبء اقتصادي، بل كأداة سياسية لترسيخ النفوذ الروسي في أوكرانيا.
بدوره بوتين لم يخفِ ارتياحه، مؤكدًا أن التمويل “لن يكون عائقًا” طالما أن هناك مستهلكًا مستعدًّا للدفع، هذه الصيغة تكشف أن المشروع لا يُنظر إليه فقط كمصدر كهرباء، بل كأداة لتثبيت السيطرة الروسية وإعادة هندسة البنية التحتية للمناطق التي تحت سيطرة روسيا.
لكن على الجانب الآخر، يبرز تناقض كبير في سياسة لوكاشينكو؛ ففي الوقت الذي يطرح فيه الغرب، بقيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حوافز لتحسين العلاقات مع بيلاروسيا مقابل الإفراج عن المعتقلين السياسيين، يختار الأخير توطيد التحالف مع الكرملين، وهو خيار يبدو عقلانيًّا من منظور بيلاروسيا، التي ترى في موسكو الضامن الأمني الأول لبقاء النظام، لكنه يضعها أكثر في خانة الدولة التابعة سياسيًّا واقتصاديًّا.
الأهمية الاستراتيجية لهذا الطرح لا تتوقف عند أوكرانيا؛ فالمشروع النووي المقترح يمثل محاولة روسية-بيلاروسية لتشكيل شبكة طاقة موازية، تعزز الاعتماد المتبادل بين موسكو وحلفائها، وتقلل من تأثير العقوبات الغربية التي تضرب قطاع الطاقة الروسي، كما أنه يعيد تعريف مفهوم النفوذ في الحرب: لم تعد السيطرة على الأرض وحدها كافية، بل بات التحكم في مصادر الكهرباء والاقتصاد المدني جزءًا من معركة الشرعية والسيادة.
في النهاية، يكشف عرض لوكاشينكو أن الحرب في أوكرانيا تجاوزت ميدان القتال إلى ساحات أبعد: من الغذاء إلى الطاقة، ومن البنية التحتية إلى مستقبل الحدود السياسية، وهنا، يبدو أن بيلاروسيا لا تعرض مجرد كهرباء، بل ترسم بالكابلات النووية خريطة جديدة لنفوذ موسكو في شرق أوروبا.
ويعتقد محللون أن هذه الخطوة تأتي بينما يحاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إغراء لوكاشينكو بوعود رفع الضغوط، لكن عرض الطاقة النووية لموسكو يكشف أن مينسك ما زالت ترى مستقبلها مرتبطًا بشكل وثيق بالكرملين، لا بالغرب.