تخطو تركيا خطوة تاريخية نحو الاستقلال العسكري، معلنة أن مقاتلاتها من الجيل الخامس "قآن" لن تعتمد مستقبلًا على المحركات الأمريكية F110، بل ستشغّل بمحرك محلي متطور TF35000.
وذكرت صحيفة "يوراسيان تايمز" أن هذه الخطوة تمثل ليس فقط قفزة تكنولوجية، بل أيضًا رسالة سياسية قوية حول تصميم أنقرة على تأمين سيادتها الإستراتيجية رغم التوترات مع واشنطن.
أوضح رئيس هيئة الصناعات الدفاعية التركية، هالوك غورغون، أن برنامج "قآن" يسير وفق المخطط دون الاعتماد على مورد أجنبي واحد، وأن العمل على محرك TF35000 يسير بوتيرة ثابتة. وقال: "مستقبل طائرة "قآن" لا يعتمد بأي حال من الأحوال على محرك دولة واحدة".
يُعدّ البرنامج الأكثر طموحًا في تركيا منذ عقود، حيث يمثل البديل المحلي لمقاتلة F-35 Lightning II، ويدفع تركيا إلى نادي الدول القليلة التي تمتلك قدرة تطوير مقاتلات شبح من الجيل الخامس.
ومن المتوقع أن تدخل الطائرة الإنتاج التسلسلي بحلول عام 2028، وتخدم القوات الجوية التركية بحلول 2029، لكن اعتمادها على محركات أمريكية مؤقتًا يربط نجاح المشروع بالموافقة الأمريكية على تسليم المحركات F110.
طار النموذج الأولي للطائرة "قآن" في فبراير 2024، والنموذج الثاني في مايو، مستخدمين محركات F110 الأمريكية؛ لكن أنقرة، متوقعة التعقيدات السياسية، تسارع تطوير TF35000 لتشغيل الطائرة بالكامل محليًّا.
أكد غورغون أن العمل على المحرك يسير كما هو مخطط له، وأن إنتاج المحرك بكميات كبيرة سيضمن الاعتماد النهائي على قدرات محلية.
وأضاف: "سنستخدم محركات تركية في آخر طائراتنا المنتجة على نطاق واسع، مع الحفاظ على الجدول الزمني للتسليم"؛ كما يتم تطوير وحدة الطاقة المساعدة APU60 لضمان تكامل منظومة الدفع بكفاءة.
ويأتي هذا التوجه بعد أن فقدت تركيا طائرات الجيل الخامس بسبب شرائها منظومة إس-400 الروسية؛ ما جعلها تدرك أن الاعتماد على شركاء أجانب قد يكلفها الاستقلالية الإستراتيجية.
يُعد تطوير محرك نفاث متقدم ليس مهمة بسيطة؛ فإن تجارب دول، مثل: الصين والهند، أظهرت صعوبة الوصول إلى الاستقلال التكنولوجي في هذا المجال.
واستغرقت الصين ثلاثة عقود لتطوير محرك WS-15، والهند واجهت صعوبات مستمرة مع محرك Kaveri؛ ما أدى لتأخر طائراتها المحلية.
وتواجه تركيا تحديات مشابهة، حيث يحتاج محرك TF35000 إلى علوم متقدمة في الديناميكا الهوائية والحرارية، ومواد متطورة، وتصميم يحقق نسب دفع عالية مع كفاءة في استهلاك الوقود، إضافة إلى الحفاظ على قدرات التخفي؛ ورغم هذه الصعوبات، تبدي أنقرة التزامًا ثابتًا بتحقيق هذا الإنجاز لتأمين استقلالها في صناعة المحركات النفاثة.
العلاقات التركية الأمريكية المتوترة منذ طرد أنقرة من برنامج F-35 وفرض عقوبات كاتسا، أثرت في تسليم المحركات F110؛ حيث تنتظر تركيا موافقة الكونجرس الأمريكي لشراء المحركات للدفعة الأولى، لكن استمرار هذا التوتر دفع أنقرة لتسريع تطوير المحرك المحلي لتجنب أي تعطيل.
ويرى محللون أن "قآن" قد تؤثر في مبيعات المقاتلات الأمريكية في المنطقة، خاصة بعد اهتمام دول مثل إندونيسيا، واهتمام محتمل من باكستان والسعودية.
وتمثل هذه الطائرة تحديًا جديدًا للهيمنة التقليدية لشركات الأسلحة الأمريكية، وتؤكد تصميم تركيا على تحقيق استقلالية عسكرية حقيقية، حتى في مواجهة الضغوط الدولية.
طائرة "قآن" ليست مجرد مشروع عسكري؛ إنها رمز لرغبة تركيا في بناء سيادة تكنولوجية وإستراتيجية، مع الاستعداد للتغلب على التحديات السياسية والتقنية.
ومع اكتمال محرك TF35000 ودخول الطائرة الإنتاج التسلسلي، ستكون تركيا إحدى الدول القليلة القادرة على تصميم وتشغيل مقاتلة من الجيل الخامس بالكامل محليًّا، مزيحة بذلك الاعتماد على المحركات الأجنبية ومرسخة نفوذها في صناعة الدفاع العالمية.