في ولاية دونالد ترامب الثانية، تحولت ديناميكية النفوذ في العاصمة الأمريكية إلى نموذج مركزي يسيطر عليه الرئيس وعدد من مساعديه، مما أدى إلى تهميش الكونغرس والوكالات الفيدرالية، بحسب تقرير لصحيفة "بوليتيكو".
وهذا التحول، الذي يُوصف بأنه "يدير كل شيء بدقة متناهية"، يعكس نهجاً فردياً يجبر الشركات على التعامل مباشرة مع الرئيس، متجاوزاً القنوات التقليدية، كما يظهر من خلال تجارب شركات مثل إنتل وإنفيديا.
وبدأت القصة مع شركة إنتل، التي كانت على وشك الحصول على أكثر من 10 مليارات دولار من التمويل الحكومي في بداية 2025، بعد حملة ضغط طويلة استمرت ثلاث سنوات مع الكونغرس والوكالات، لكن عندما هدد جدل حول علاقات الرئيس التنفيذي ليب بو تان بشركات صينية الصفقة، حُسمت الأزمة في أسبوعين فقط عبر ترامب شخصياً.
وسافر تان إلى واشنطن، والتقى الرئيس، ووافق على منح الحكومة 10 مليارات دولار من أسهم إنتل، وهو تنازل غير قانوني إلزامي، لكنه كان فعّالاً في الحفاظ على الدعم.
وتكرّر هذا النمط عبر الصناعات، ففي قطاع الأدوية، تقطع الشركات صفقات تسعير مع البيت الأبيض مباشرة، أما شركات التكنولوجيا العملاقة، مثل إنفيديا، تبيع معداتها إلى الصين بعد بناء علاقات شخصية مع ترامب، فيما فاز جينسن هوانغ، رئيس إنفيديا، بحق البيع مقابل منح الحكومة 15% من المبيعات.
وتبرز هذه التنازلات "غير العادية" كيف أصبح الرؤساء التنفيذيون أبرز جماعات الضغط، مغدقين الرئيس بهدايا وتنازلات لضمان أولوياتهم، كما تقول "بوليتيكو".
في عهد ترامب الثاني، انتقل التأثير من مسؤولي الوكالات وكبار المشرعين إلى قرارات مفاجئة من القمة، إذ سيطر الرئيس الأمريكي على قضايا دقيقة مثل التعريفات الجمركية، ورسوم التأشيرات، وتجميد التمويل، التي كانت سابقاً من اختصاص الكونغرس والخبراء.
وتقول نيكي كريستوف، مستشارة تكنولوجيا سابقة في Salesforce وGoogle، إن "كبار المسؤولين التنفيذيين في أمريكا يحصلون الآن على فرصة مباشرة لضرب رؤوسهم بالحائط"، ما أدى إلى إبعاد جماعات الضغط المخضرمة، وتهميش الخبراء، وقلل أهمية شركات الضغط الخارجية.
ووفق ريتش جولد، رئيس مجموعة السياسات في هولاند آند، فإن "الكونغرس أخرج نفسه من المعادلة، مع تنازل الجمهوريين عن سلطاتهم للرئيس"، لافتاً إلى أن الوكالات الفيدرالية أصبحت تابعة مباشرة لترامب.
وتواجه شركات الضغط التقليدية مثل أكين غامب منافسة من شركات جديدة مرتبطة بترامب، مثل بالارد بارتنرز، التي سجلت 160 عميلاً جديداً هذا العام. وقال كارلوس تروخيو، مسؤول سابق في إدارة ترامب إن "الشركات التقليدية لا تفهم واشنطن الجديدة، فقد اعتادت على واشنطن لم تعد موجودة"، وفق تعبيره.
وأدى هذا إلى تهميش الجمعيات التجارية، التي كانت وسيطاً أساسياً، ففي سبتمبر، أعلن ترامب رسوماً قدرها 100 ألف دولار على تأشيرات العمال ذوي المهارات، مفاجئاً الصناعات دون إشعار مسبق.
ويقلق خبراء مثل جيمس ثوربر، أستاذ فخري في الجامعة الأمريكية، من أن هذا النهج يؤدي إلى سياسات منفصلة عن الواقع، مليئة بالمصالح الرئاسية. وقال: "يتدخل ترامب في التفاصيل بشكل مذهل، متجاوزاً المداولات والخبرة". ورد المتحدث باسم الإدارة كوش ديساي بقوله: "الشعب رفض سياسات المستنقع، والمصلحة الوحيدة هي مصلحة الشعب الأمريكي".
ورغم الاضطرابات، تتوقع بعض جماعات الضغط عودة النظام التقليدي، مشيرين إلى دورات سياسية سابقة، إذ قالت كيت بينيت من إنفاريانت: "قد يتغير كل شيء في عامين"، لكن حالياً، يسيطر ترامب بدقة متناهية، محولاً واشنطن إلى مركز قوة فردي، حيث يستولي على كل المناصب عبر قراراته المفاجئة والمباشرة، كما تختم "بوليتيكو".