يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإقناع رئيس الأركان إيال زامير، بالاستقالة، بعد ثمانية أشهر فقط من تعيينه، حيث تُعدّ هذه الخطوة أحدث تصعيد في أزمة سياسية واجتماعية داخلية متفاقمة، تتكشف في ظل مواجهة الجيش الإسرائيلي حركة حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، والحوثي في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق، وإيران.
ووفق تقرير لموقع "المونيتور" الأمريكي، فإن المعسكر الليبرالي الديمقراطي في إسرائيل يصوّر الصراع السياسي الأوسع، الذي تُعدّ محاولة إقالة زامير أحدث جبهاته، على أنه معركة على هوية الدولة العبرية، بما في ذلك قيمها ونظام حكمها وديمقراطيتها.
وبدأت المواجهة مع تنصيب حكومة نتنياهو اليمينية في ديسمبر/كانون الأول 2022، ومحاولاتها إصلاح النظام القضائي من خلال تقويض صلاحيات المحاكم.
يتعامل نتنياهو مع الوضع الراهن مستلهماً نهج الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فقد "قمع" أي معارضة داخل حكومته، التي أصبحت أداة لتنفيذ "جميع أهوائه"، وسط سيطرة مطلقة على الكنيست، حيث يتمتع ائتلافه الحاكم من الأحزاب السياسية بالأغلبية.
كانت إحدى أولى خطوات نتنياهو بعد عودته إلى السلطة في ديسمبر/كانون الأول 2022، بعد 18 شهراً في المعارضة، تعيين إيتمار بن غفير، رئيس حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف، قائداً للشرطة الإسرائيلية، إذ تُقوّض أفعاله الصفوف المهنية.
كما وضع نتنياهو نصب عينيه إعادة هيكلة الجيش الإسرائيلي، الذي لطالما افتخر لعقود بكونه جيشاً شعبياً غير حزبي. ويتدخل رئيس الوزراء الآن في تعيينات عليا لرفع رتب ضباط منتمين إلى التيار القومي الديني، ويتهمه منتقدوه بالتقليل من شأن عنف المستوطنين في الضفة الغربية.
وبعد عودته من البيت الأبيض في فبراير/شباط الماضي، ولقائه ترامب، اجتمع نتنياهو مع وزراء حكومته وكبار مسؤولي الدفاع، وأبلغهم صراحة أنه سيُحاكي أسلوب الرئيس الأمريكي في الحكم، أي استبدال من يُعتبرون غير مخلصين له بما يكفي.
بعض الحاضرين في الاجتماع لم يعودوا موجودين، ومن بينهم هرتسي هاليفي، رئيس أركان الجيش آنذاك الذي تم استبداله بزامير الذي استعان به نتنياهو "نظراً لموقفه القتالي وميله إلى اتخاذ إجراءات عدوانية"، وفق تصريحات سابقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي.
وأوفى زامير بوعوده، إذ قاد الجيش خلال حرب استمرت 12 يوماً مع إيران في يونيو/حزيران، وأشرف على إعادة آخر الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة، وإن كانت عملية دبرها ترامب لا نتنياهو، الذي حاول عرقلتها.
مع ذلك، ليس زامير المخلص المُطلق الذي أمله نتنياهو، وفق تقرير "المونيتور"، فقائد الدبابات المدرعة السابق، البالغ من العمر 59 عاماً، الذي شغل العديد من المناصب العسكرية العليا ووزارة الدفاع، يرفض الانصياع لما يعتبره أوامر "ذات دوافع سياسية".
وعندما خطط نتنياهو لغزو مدينة غزة، اعترض زامير، محذّراً من عملية قد تُودي بحياة رهائن، وتُؤدي إلى كارثة إنسانية أكبر من تلك التي حلّت بالفلسطينيين في غزة بعد أكثر من عام على الحرب.
في الأسابيع الأخيرة، تصاعدت حدة المواجهات بين نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس مقابل زامير، ففي 23 نوفمبر/تشرين الثاني، وعقب استنتاجات لجنة ترجمان، التي حققت في سلوك الجيش في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، طرد رئيس الأركان عدداً من كبار الضباط من الخدمة النظامية والاحتياطية، الذين اعتبرتهم اللجنة مسؤولين عن إخفاقات ذلك اليوم.
ومع اعتراض كاتس على هذه الخطوة وانتقادها علناً، يبدو أن نتنياهو يقف إلى جانب حليفه في حزب الليكود حتى في الوقت الذي يدعم فيه التعيينات رفيعة المستوى التي أجراها زامير في محاولته إعادة تأهيل الجيش بعد الفشل في إحباط هجوم حماس قبل عامين.
تكمن وراء الصراع على التعيينات العسكرية العليا مساعي الحكومة لإبعاد اللوم عن السياسيين وإلقائه على ضباط الجيش في هجوم 7 أكتوبر، إذ رفض كاتس نتائج لجنة ترجمان، التي عيّنها زامير، معتبراً أنها لم تصل إلى الحد الكافي.
ونقل "المونيتور" عن مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى قوله "إن نتيناهو وكاتس يرغبان بشدة في زامير"، مشيراً أنهما "سيجعلان حياته محبطة حتى يستقيل".
وتوقع المصدر ذاته أن يعين نتنياهو وكاتس شخصاً "موالياً تماماً"، كما فعلا في الشرطة والشاباك وغيرهما، ومن أبرز المرشحين المساعد العسكري لرئيس الوزراء، اللواء رومان جوفمان، الذي يتبنى آراء يمينية وأصبح قريباً من رئيس الوزراء خلال 18 شهراً من توليه منصبه.