logo
العالم

مشهد جديد يتشكل.. زلزال سياسي يعيد رسم خريطة التحالفات في تركيا

صورة تعبيرية لصندوق اقتراع في تركيا

تشهد الأوساط السياسية التركية، أحاديث وتحليلات متزايدة حول تغييرات كبيرة في التحالفات السياسية الحالية التي تشكلت ملامحها منذ العام 2018، عندما جمعت المنافسة على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والبلدية التيارات القومية والدينية واليسارية بشكل معقد.

وتستند تلك التوقعات لكثير من المؤشرات والمواقف وتصريحات قادة ومسؤولي الأحزاب السياسية في الأسابيع الماضية بالتزامن مع سلسلة قضايا تتصدر المشهد السياسي في تركيا، وتتعلق بالسياسة الخارجية والداخلية على حدٍ سواء.

أخبار ذات علاقة

رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي

برسالة إلى أردوغان.. ألبانيزي يبادر لحل الخلاف الطويل مع تركيا

وبرزت خلافات عميقة بين التحالفات القائمة حول عملية السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل الدولة منذ أكثر من 40 عاماً، وحول اعتقال رؤساء البلديات التابعة للمعارضة التركية بتهم فساد بدلاً من محاكمتهم طلقاء، وصولاً لخلاف حول نتائج الانتخابات في دولة قبرص التركية (غير معترف فيها دولياً) التي أوصلت رئيساً لا تريده التيارات القومية التركية.

انقسام التحالف الحاكم

ظهرت أولى بوادر تفكك "تحالف الشعب" بين حزب العدالة والتنمية الحاكم، برئاسة رجب طيب إردوغان، وحليفه حزب الحركة القومية (قومي تركي)، دولت بهتشلي، حول قضيتين يتبنى كل طرف فيها موقفاً مناقضاً للآخر.

وقوبلت دعوة بهتشلي بالتفاوض المباشر بين نواب البرلمان التركي وزعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، المسجون بجزيرة "إيمرالي" في غرب تركيا، برفض حزب العدالة والتنمية.

وظهر بهتشلي الذي يحظى بمكانة في أوساط القوميين الترك، وحيداً في وجه سيل من الانتقادات طالته بشكل شخصي عندما دعاه رئيس حزب "الرفاه من جديد" الإسلامي، فاتح أربكان، لمقابلة أوجلان بنفسه، بدلاً من طلب ذلك من الآخرين.

ويقول مسؤولو حزب العدالة والتنمية إن عملية السلام الجارية تتسم بحساسية عالية في المجتمع التركي بعد أن خلفت انقساماً داخلياً وعشرات آلاف الضحايا في القتال الذي امتد منذ أوائل الثمانينيات إلى ما قبل عام تقريباً، عندما أطلق بهتشلي دعوة شهيرة للسلام واستجاب لها أوجلان.

 

وبدا الحزب الحاكم متوافقاً مع مواقف خصومه السياسيين، بمن فيهم حزب الشعب الجمهوري الأكبر بين أحزاب المعارضة، حيث رفضت غالبية الأحزاب التركية لقاء نواب من البرلمان التركي مع أوجلان الذي لا يزال يوصف هو وحزبه بـ "الإرهاب".

وتستهدف عملية السلام، حل الحزب وإلقاء مقاتليه للسلاح مقابل تشريعات تحدد مصيرهم ومن منهم يمكنه العودة والانخراط في الحياة السياسية في تركيا التي ستشهد تغييرات ديمقراطية جديدة تصل لحد إقرار دستور جديد في أفضل التوقعات.

رئيس غير حليف

تركت الانتخابات الرئاسية التي جرت في قبرص الشمالية أو التركية، الشهر الماضي، صدى لافتاً في تركيا عندما هنأ إردوغان المرشح طوفان إرهورمان بالفوز في الانتخابات بالتزامن مع غضب حليفه بهتشلي الذي دعا البرلمان هناك للتدخل.

وينتمي الرئيس الفائز إرهورمان لتيار الوسط في الجانب التركي من الجزيرة، ويدعم الوصول لدولة اتحادية مع الجانب الآخر من الجزيرة القبرصية، أو ما يُعرف بقبرص اليونانية، برعاية الأمم المتحدة وإنهاء الانقسام المستمر منذ عام 1974 بعد تدخل عسكري تركي على أثر انقلاب مدعوم من اليونان.

وكان بهتشلي يدعم المرشح الآخر في الانتخابات، وهو الرئيس المنتهية ولايته أرسين تتار، المؤيد لحل الدولتين في قبرص، والذي اقترحه إردوغان ذاته، ورفضه القبارصة اليونانيون والاتحاد الأوروبي.

ودعا بهتشلي برلمان شمال قبرص إلى الانعقاد وإعلان انضمامها إلى تركيا، قائلاً إن نسبة المشاركة في الانتخابات كانت ضعيفة جداً، بينما كان إردوغان يبعث في الوقت نفسه تهنئته للرئيس الجديد واصفاً النتيجة بأنها تعبر عن نضج القبارصة الأتراك من الناحية الديمقراطية.

حليف محتمل للمعارضة

بدا بهتشلي على خلاف عميق آخر مع حليفه إردوغان عندما دعا الشهر الماضي، النيابة العامة لتوجيه اتهاماتها لرئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو المسجون منذ أكثر من 200 يوم بتهم فساد وقضايا أخرى.

ووضع ذلك الموقف المعارض للحكومة التركية التي تقول إنها مسألة تحقيقات وقضاء ولا تتدخل فيها، حليفها بهتشلي في جانب حزب الشعب الجمهوري الذي يطالب بإطلاق سراح عضوه البارز إمام أوغلو ومحاكمته طليقاً وتوجيه اتهامات له بعد كل فترة سجنه الطويلة.

وأبرزت وسائل الإعلام التركية المقربة من حزب الشعب الجمهوري، موقف بهتشلي ذاك، وخلافه مع إردوغان في قضايا أخرى، بينها لقاء أوجلان، وانتخابات قبرص، وقالت إنها بداية لتفكك التحالف الذي ساعد إردوغان في الفوز بانتخابات 2023 ومن قبل بإقرار تعديل دستوري نقل البلاد للنظام الرئاسي عام 2017، ومن ثم فوز إردوغان بالرئاسة عام 2018.

رسالة واضحة

شهد يوم الأربعاء الماضي، الرسالة الأوضح حول وجود انقسام داخل تحالف الشعب، عندما غاب بهتشلي أو أي ممثل عنه، عن المراسم والاحتفالات بالذكرى الـ102 لتأسيس الجمهورية التركية في 29 تشرين الأول/أكتوبر الماضي والتي حضرها كبار مسؤولي الدولة وقادة الأحزاب، ويتقدمهم إردوغان.

وقُرئ غياب بهتشلي وصمته عن مناسبة تمثل رمزية كبيرة لحزبه، بأنها رسالة مقاطعة لإردوغان عبر خطوة تشبه تلك التي انتقدها بهتشلي ذاته عندما غاب زعيم حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، ونوابه، عن احتفال افتتاح دورة البرلمان الجديدة مطلع الشهر الماضي لتجنب لقاء إردوغان وسماع خطابه في ظل الانقسام الحاد بين الطرفين على خلفية اعتقال إمام أوغلو و16 رئيس بلدية كبيرة وفرعية أخر جميعهن يتبعن الحزب.

وقال الصحفي والكاتب السياسي التركي، شامل طيار، في تعليقه على ذلك الغياب غير المعهود: قد تكون المقاطعة الصامتة التي ينفذها حزب الحركة القومية فرصةً لتفريغ الطاقة المتراكمة في صدع "تحالف الشعب" تدريجيا، ولمنع وقوع دمار كبير.

وأضاف في منشور عبر موقع "إكس": ربما هناك حاجة إلى استراحة قصيرة، وإلى توقف بسيط لالتقاط الأنفاس، ولإجراء مراجعة للماضي القريب وتجديد الثقة.

حليف جديد

تتزامن تلك الانقسامات والخلافات السياسية داخل تحالف الشعب، مع تقارب وصل ذروته الأسبوع الماضي بين حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب الديمقراطية والمساوة للشعوب، وهو ثالث أكبر أحزاب البرلمان، والممثل الرئيس لأكراد تركيا.

فقد وضعت خطوة حزب العمال الكردستاني، الأخيرة، بسحب مقاتليه من الأراضي التركية لدعم عملية السلام المتباطئة مع أنقرة الحزبين الذين فرقتهما الانتخابات الرئاسية والمحلية الماضية في موقع الحليفين.

فبعد قرار الحزب بأيام، التقى إردوغان يوم الخميس الماضي بنواب للحزب قبيل توجههم للقاء أوجلان، حيث يلعبون دور الوسيط في عملية السلام، لتبدأ بعدها التصريحات الإيجابية من جانب مسؤولي الحزبين.

وتوج ذلك التقارب، إردوغان، عندما قال يوم السبت الماضي، إن اللقاء مع حزب نواب حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، "مُبشر"، مُؤكدًا أن تداعيات هذه اللقاء ستظهر في الأيام المقبلة.

ورغم أن التداعيات التي قصدها إردوغان تشير لتقدم في عملية السلام، فإنها قُرئت أيضاً على أنها تقارب غير مسبوق بين الحزبين، قد يكون بديلاً للحزب الحاكم في حال تفكك تحالفه مع حزب الحركة القومية وزعيمه بهتشلي.

طرف ثالث

حمل المشهد السياسي التركي الحالي معه، توقعات بظهور تحالف ثالث في الفترة المقبلة، عبر عنه رئيس حزب الديمقراطية والتقدم، علي باباجان، عندما أكد استقلالية حزبه عن الحزبين الكبيرين في البلاد، الحاكم والمعارض.

فقد أكد باباجان في تصريحات تزامنت مع ذكرى أول وصول لحزب العدالة والتنمية عام 2002 للسلطة، أنه لن يعود للتحالف مع الحزب الذي يعد أحد أبرز مؤسسيه مع إردوغان، قبل أن يشغل مناصب وزارية لافتة لحين انشقاقه وتأسيسه حزبا جديدا قبل عامين.

وعلى الجانب الآخر، أكد باباجان، أن حزبه وصل للبرلمان بأصوات مؤيديه رغم مشاركته في تحالف ضم عدة أحزاب تحت قائمة قادها حزب الشعب الجمهوري المعارض في انتخابات عام 2023، في رد لم يخلُ من انتقادات لذلك الحزب، قبل أن يختتم كلامه بالقول "تركيا أعظم من الحزب الحاكم والحزب المعارض.. لا ينبغي على شعبنا اختيار أهون الشرّين؛ لأن أمتنا تستحق الأفضل".

ومن غير الواضح إن كان باباجان، سيقود أو يشارك في تحالف ثالث في الفترة المقبلة، مع وجود قوى مستقلة أخرى، بينها حزب المستقبل بقيادة أحمد داوود أوغلو (إسلامي) وحزب "الجيد" (قومي)، بجانب حزب "الرفاه من جديد" الذي يوصف بأنه الحزب الصاعد.

ومن المقرر أن تشهد تركيا انتخابات رئاسية عام 2028 تعقبها انتخابات محلية في العام التالي، لكن تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة يشكل مطلباً رئيساً للمعارضة في وقت يبدو فيه الحزب الحاكم ليس رافضا لها بشكل مطلق.

 

 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC