قررت مديرة المخابرات الوطنية الأمريكية تولسي غابارد إلغاء تقرير "الاتجاهات العالمية" القادم، وهو تقرير دوري منذ 1997 يُقدّم للسياسيين الأمريكيين تحليلًا شاملًا للتحديات العالمية المستقبلية، بما في ذلك تغير المناخ، ويضع سيناريوهات محتملة لتأثيرها في الأمن القومي للولايات المتحدة، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا.
وبحسب "فورين بوليسي"، فإن هذه الخطوة ليست مجرد قرار إداري، بل قرار ذو طابع سياسي صريح؛ إذ اتهمت غابارد محللي التقرير بـ"دفع أجندة سياسية تتعارض مع أولويات الأمن القومي للرئيس الحالي".
وبينما يُفترض أن تقدم المخابرات الأمريكية تحليلات موضوعية وغير متحيزة، فإن إلغاء التقرير وإغلاق الوحدة التي أعدته يحد من قدرة واشنطن على التنبؤ بالمخاطر المستقبلية، ويجعل البلاد أكثر ضعفًا أمام التحديات، بحسب خبراء أمنيّين سابقين شاركوا في وضع هذه التقارير.
ويرى الخبراء أن تغيير المسار يأتي في سياق تعاطي إدارة ترامب مع التغيُّر المناخي باعتباره "خدعة"، في حين أن تقارير الاتجاهات العالمية تناولت هذه القضية في كل نسخة منذ عام 2000، ولذلك يعكس القرار تجاهل الإدارة للتهديدات البيئية، ويؤدي إلى تراجع قدرة الحكومة على التخطيط لمواجهة الكوارث الطبيعية والسياسات المناخية؛ فقد شهدت الولايات المتحدة خلال العام الماضي سلسلة من الأعاصير وحرائق الغابات المدمرة؛ ما أسفر عن مئات القتلى وآلاف النازحين، مع خسائر مالية بمليارات الدولارات، وتطلبت هذه الكوارث تدخل القوات العسكرية الأمريكية أكثر من 50 مرة؛ ما أضعف جاهزية الجيش لمهام أمنية أخرى.
ويحذر مراقبون من أنه في الوقت الذي تتراجع فيه القدرة الأمريكية على الرصد والتخطيط، تواصل دول منافسة مثل الصين تطوير إستراتيجياتها للتعامل مع تغير المناخ، وإدارة الانتقال إلى الطاقة النظيفة لصالحها؛ فقد أعلنت بكين عن هدف جديد لتقليل الانبعاثات في سبتمبر الماضي، في حين كانت واشنطن تتجاهل القضية أمام المجتمع الدولي؛ ما أتاح لبكين تعزيز صورتها القيادية عالميًّا.
وبينما لا يقتصر تأثير إلغاء التقرير في المناخ، بل يمتد ليشمل تقويم التهديدات المستقبلية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، والصحة العامة، والأزمات العالمية، فإنه يفتح الباب كذلك أمام خصوم واشنطن لاستغلال الفراغ، حيث تضخ بكين وموسكو معلومات مضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير في الرأي العام ونشر الانقسام، كما حدث مع حرائق هاواي وإعصار هيلين.
ويعتقد محللون أن إغلاق وحدة إعداد تقرير الاتجاهات العالمية، يُشبه قيادة طائرة مع إطفاء الأجهزة الرئيسية؛ فالولايات المتحدة تطير في المجهول بلا أدوات للتخطيط الإستراتيجي، وفي ظل هذا المشهد، سيصبح من الضروري أن تتدخل مؤسسات مستقلة أو مراكز أبحاث لتولي هذا الدور الحيوي، فالتخلي عن الرصد والتخطيط لا يحل المشكلات، بل يعرّض البلاد لأخطار لا يمكن التنبؤ بها.