قال خبراء سياسيون فرنسيون إن حزب الجمهوريين اليميني في فرنسا يعيش واحدة من أكثر مراحله تعقيدًا منذ دخوله الحكومة في سبتمبر/أيلول عام 2024.
وأضافوا أن الحزب يواجه معادلة صعبة بين رغبته في الاستمرار في السلطة وبين الضغوط الهائلة التي يمارسها الحزب الاشتراكي، الذي يملك ورقة إسقاط حكومة سيباستيان لوكورنو عبر التصويت على الموازنة.
ويرى المراقبون أن هذه الأزمة تمثل اختبارًا غير مسبوق لقيادة وزير الداخلية برونو ريتايو، وقدرة اليمين التقليدي على إعادة تعريف موقعه وسط استقطاب سياسي متصاعد.
وبهذا الصدد، قال أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدراسات السياسية في باريس، الدكتور دومينيك رينيه، إن معضلة الجمهوريين تعكس مأزقًا هيكليًا لليمين الفرنسي.
وأوضح رينيه، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "الحزب وجد نفسه في موقع شريك ثانوي داخل الحكومة، لكنه يدرك أن خروجه الآن سيُنظر إليه كضعف وعجز عن تحمل المسؤولية".
وأضاف أن البقاء يفرض عليه تقديم تنازلات مؤلمة للاشتراكيين، خصوصًا في ملفات الميزانية والسياسات الاجتماعية، موضحًا أن "هذه الوضعية تكشف غياب مشروع استراتيجي واضح لليمين، حيث يتأرجح بين خطاب الهوية والمشاركة البراغماتية في السلطة".
وتابع: "إذا استمر هذا الغموض، فإن الجمهوريين قد يخسرون المزيد من قاعدتهم الانتخابية لصالح اليمين المتطرف (التجمع الوطني)، بينما لا يكسبون ثقة القاعدة الوسطية أو اليسارية".
بدورها، قالت مديرة معهد العلوم السياسية بسيرجاي باريس، سيلين بريسون، إن المعركة الحالية مرتبطة بما هو أبعد من مجرد موازنة مالية.
وأضافت بريسون، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن الاشتراكيين يدركون جيدًا أن الجمهوريين بحاجة ماسة إلى البقاء في الحكومة لحماية مواقعهم الوزارية، لذلك يستخدمون ورقة الميزانية للضغط وفرض شروط سياسية تتعلق بالتوجهات الاجتماعية وحتى بالسياسة الأوروبية.
وتابعت: "هذا يعني أن التوازن الحالي هش جدًا، ويمكن أن ينفجر في أي لحظة".
وترى بريسون أن الأزمة تحمل انعكاسات عميقة على الحياة الحزبية، قائلة: "إذا استمر الجمهوريون في هذا الوضع التفاوضي الدفاعي، فإنهم سيظهرون أمام الرأي العام كحزب تابع، لا كقوة اقتراحية مستقلة".
واعتبرت أن هذا يضعف الديمقراطية الفرنسية نفسها، لأنها بحاجة إلى يمين جمهوري قوي قادر على لعب دور التوازن أمام اليسار واليمين المتطرف.
وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إنه في سبتمبر/أيلول عام 2024، عاد حزب الجمهوريين إلى مقاعد الحكومة بعد غياب طويل، لكن بعد مرور عام واحد، لا يبدو أنه مستعد للخروج سريعًا.
فبينما يؤكد رئيس الحزب برونو ريتايو أن مشاركة حزبه في حكومة سيباستيان لوكورنو "ليست أمرًا بديهيًا أو مضمونًا"، لا أحد في معسكره يتصور أن وزير الداخلية الحالي سيغادر منصبه طوعًا في قصر بوفو.
وروى أحد نواب الحزب اليميني أجواء حفل استقبال أُقيم في مقر الجمعية الوطنية ( البرلمان)، يوم الثلاثاء الماضي، بحضور نواب الحزب وعدد من الوزراء المستقيلين.
وقال البرلماني: "الأمر بسيط جدًا: الجميع يريد البقاء. لكن لا أعرف كيف سندير هذا الوضع مع اليسار".
ففيما يملك الجمهوريون 49 نائبًا فقط، يسيطر الاشتراكيون بـ 66 نائبًا على مفتاح بقاء الحكومة أو إسقاطها، خاصة عند التصويت على الموازنة العامة، وفقًا للصحيفة الفرنسية.
وأمام هذا الواقع، تصطدم الخطابات النارية بخريطة سياسية مقيدة، فقد صرح ريتايو في مهرجان التفاح بمدينة إيبريفيل-أون-ليوفان: "عندما نكون في اليمين، يجب أن نضع حدًا لهذا اليسار الميليشوني".
لكن ما بين الشعارات والوقائع، يجد الجمهوريون أنفسهم مضطرين للتفكير في حجم التنازلات الممكن تقديمها لضمان البقاء في السلطة.