داخل أروقة البيت الأبيض، يتقاسم نائب الرئيس جيه دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو حب الحلويات نفسها، ونكاتاً متشابهة، ومكاتب تفصلها أمتار قليلة فقط، لكن عندما يصل الحديث إلى أوكرانيا، يتحول الصديقان إلى خصمين شرسين.
وبحسب وصف تقرير لصحيفة "التلغراف" البريطانية، فإن المعركة الحقيقية التي تواجهها أوكرانيا ليست في إقليم دونباس حيث تخوض قتالاً ضارياً مع روسيا، بل في زوايتين ومكتبين داخل البيت الأبيض الأمريكي.
في الزاوية اليمنى، يقف فانس "الواقعي الانعزالي"، الذي يرى أن روسيا انتصرت عسكرياً على الأرض، وأن السلام الوحيد الممكن هو سلام يقبل فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بخسارة أراضٍ وتعهدات أمنية محدودة.
أما في الزاوية اليسرى، يقف روبيو، صقر الحزب الجمهوري التقليدي، الذي يرفض أي صفقة تُكافئ "المعتدي" أو تُضعف الناتو، داعماً اتجاه تقديم الدعم العسكري إلى أوكرانيا حتى النهاية.
وكان الأسبوع الماضي الأكثر توتراً حتى الآن، إذ وفق "التلغراف" اتصل فانس شخصياً بزيلينسكي ليُبلغه بخطة سلام من 28 نقطة صاغها ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب الخاص إلى موسكو، مع كيريل دميترييف، أحد أبرز المقربين من الكرملين.
والوثيقة التي وصفتها مجلة "الإيكونوميست" بأنها "قائمة رغبات روسية" تتضمن التنازل عن دونباس كاملة، وتحديد سقف للجيش الأوكراني، وحظر دائم لعضوية الناتو.
وتبعت المكالمة زيارة مفاجئة إلى كييف قام بها وزير الجيش الأمريكي دان دريسكول، صديق فانس من أيام، ليحذّر زيلينسكي بصراحة: "صبر الرئيس دونالد ترامب ينفد، وكييف تواجه انهياراً وشيكاً على الجبهة، وعليها أن تتنازل عن أراضٍ".
وكان المقصود واضحاً، بحسب "التلغراف"، فإما أن تقبل كييف "الصفقة" أو تواجه المزيد من الضغط الأمريكي، لكن الخطة واجهت عاصفة احتجاجات في أوركانيا وأوروبا، فتراجع ترامب سريعاً وقال إنها "ليست عرضه الأخير".
وهنا دخل ماركو روبيو الملعب بقوة، إذ قاد مفاوضات مكثّفة استمرت أياماً مع وفد أوكراني في جنيف، وتمكن بحلول الإثنين من تقليص الخطة إلى 19 نقطة فقط، مع إسقاط أقسى الشروط الروسية وتخفيف سقف المطالب المتعلقة بالأراضي والجيش والناتو.
وتنفّس الأوروبيون الصعداء، بعدما كانوا قد فقدوا الأمل، ليكتشفوا أن ويتكوف التقى المبعوث الخاص للرئيس الروسي، كيريل دميترييف سراً في ميامي لصياغة الخطة الأصلية دون إشراك روبيو أو حتى إطلاعه.
وكشف تسريب مكالمة لوزير الخارجية مع أعضاء مجلس الشيوخ أنه وصف الوثيقة بأنها "اقتراح روسي مترجم بصورة رديئة"، قبل أن يتراجع علناً ويؤكد أنها "وثيقة أمريكية بمشاركة الطرفين".
ستيف بانون، المتحدث باسم تيار فانس، لم يخفِ شماتته، إذ نقلت عنه "التلغراف"، إن روبيو "أُهين" بتسريب انتقاداته، وإن "النخب المحافظة الجديدة في بروكسل ولندن وواشنطن لا تزال تدور حول جثة أوكرانيا التي دمروها بأنفسهم".
تتحدث مصادر داخل البيت الأبيض عن "فوضى مطلقة"، حيث لا تعرف جهة ما تفعله الأخرى، بينما نقلت "واشنطن بوست" عن مسؤول أمريكي أن "كل جزء من الإدارة يعمل على مسار موازٍ".
وفي الوقت نفسه، يصر آخرون على أن فانس وروبيو "يتعاونان بشكل غير مباشر"، وأن روبيو استُدعي في "المرحلة الثانية" ليجعل الاتفاق مقبولاً أمام مجلس الشيوخ المتشدد.
بينما ترامب، الذي يحب أن يمازح بأن فانس وروبيو قد يشكلان "تذكرة لا تُقهر" في 2028، يجد نفسه اليوم أمام خيار صعب، فإما أن يدعم رؤية نائبه التي تُنهي الحرب بسرعة لكن بثمن باهظ على أوكرانيا والنظام الأوروبي، أو رؤية وزير خارجيته التي تحافظ على المبادئ لكنها قد تطيل النزيف.