تشير التطورات الأخيرة في أمريكا اللاتينية إلى أن الجريمة المنظمة بدأت تدخل مرحلة جديدة وخطيرة مع استخدام الطائرات المُسيّرة.
كشف تحقيق مشترك أجرته أوكرانيا والمكسيك عن حالات لعصابات مكسيكية أرسلت أفرادًا للانضمام إلى الفيلق الدولي الأوكراني لتعلّم استخدام الطائرات المسيرة المسلحة، بهدف نقل هذه الخبرة إلى نصف الكرة الغربي، بحسب موقع "War on the Rocks".
وذكرت التقارير أيضًا أن جماعات متمردة كولومبية قد تلقت تدريبات مشابهة، وربما بدعم روسي، لتوسيع نطاق استخدام هذه التكنولوجيا في صراعات محلية.
وفي الثاني من يوليو، اعترضت البحرية الكولومبية غواصة مخدرات شبه مسيرة يمكن التحكم بها عن بُعد عبر نظام ستارلينك، في مثال واضح على أن استخدام الطائرات المسيرة لم يعد محصورًا في الجو فقط، بل امتد إلى العمليات تحت الماء، مما يضاعف تحديات مراقبة الحدود ومكافحة الجريمة العابرة للحدود.
تتبنى الجماعات الإجرامية بسرعة الطائرات المسيرة الهجومية أحادية الاتجاه، التي تُسقط المتفجرات مباشرة على الهدف قبل أن تُدمر نفسها، ما يوفر دقة عالية ويتيح تجاوز الحواجز والمباني.
وفي المكسيك، تم توثيق أول استخدام لهذه الطائرات في أبريل 2025، تلاها ظهور إضافات أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي، توضح كيف تطور الكارتلات أساليبها.
بينما في كولومبيا، استُخدمت الطائرات المسيرة المسلحة في هجمات ضد القوات الحكومية، وأظهرت عمليات مثل تلك التي وقعت في كاتاتومبو في يوليو 2025 قدرتها على التسبب بخسائر بشرية ومادية، بما في ذلك مهاجمة الزوارق النهرية للبحرية، ما يوضح التوسع الكبير في نطاق تطبيق هذه الأسلحة بين الجماعات المسلحة.
تعتمد بعض الطائرات المسيرة الحديثة على كابلات الألياف الضوئية لضمان اتصال آمن وغير قابل للتشويش، وهو أمر بالغ الأهمية عند منافسة الطيف الكهرومغناطيسي.
ورغم قيود الحركة، فإن هذه التقنية تظهر قدرة الجماعات الإجرامية على التكيف والتطوير المستمر.
كما تكاملت الطائرات المسيرة مع دبابات المخدرات المدرعة في المكسيك، والتي تتمتع بحماية من الهجمات الجوية، بما في ذلك أجهزة التشويش وأنظمة انتحال GPS، لتشكيل قوة هجومية معقدة ومتعددة المصادر، مما يزيد من صعوبة التصدي لها من قبل قوات الدولة.
ومع ارتفاع خطر هذه الجماعات، كثفت جيوش أمريكا اللاتينية جهودها للحصول على طائرات مسيرة مسلحة.
ففي كولومبيا، طُورت منصة محلية تُعرف بـ"دراغوم" قادرة على إسقاط المتفجرات ونقل الإمدادات عبر التضاريس الوعرة، بينما تختبر المكسيك طائرات أصغر حجمًا لإسقاط القنابل اليدوية.
ومع انتشار الطائرات المسيرة المسلحة، ظهرت أسئلة قانونية وأخلاقية حول استخدام القوة وامتثال القوانين المحلية والدولية.
كما يظهر انتشار الغواصات المسيرة لنقل المخدرات أن البحر أصبح ساحة جديدة للطائرات المسيرة، حيث توفر هذه المنصات مزايا عديدة، منها التخفي وتحمل حمولات أكبر لفترات طويلة، ما يزيد صعوبة الرقابة والسيطرة على شبكات التهريب.
أظهرت الولايات المتحدة اهتمامًا بتعقب مشغلي الطائرات المسيرة المجرمين في المنطقة، وذلك عبر التعاون مع المكسيك وكولومبيا، والاستفادة من خبرات سابقة في أوكرانيا.
وقد استخدمت طائرات MQ-9 المسيرة للاستطلاع داخل المكسيك، مما يوفر بيانات حيوية حول تطور هذه الأنظمة في أيدي الجماعات الإجرامية.
ويرى الخبراء أن التركيز على تعطيل المشغلين أنفسهم أكثر فعالية من محاولة تدمير كل طائرة مسيرة فردية، وهو ما يعكس استراتيجية "مكافحة النار بالنار" التي تعتمد على التكامل بين الاستخبارات والعمليات الميدانية.
على الرغم من التقدم الكبير الذي أحرزته الجماعات الإجرامية، يبقى هيكلها التنظيمي وعقيدتها محدودين نسبيًّا، مما يوفر فرصة للسلطات لاستهداف الخبراء الأكثر تدريبًا لإضعاف قدراتها بشكل غير متناسب.
ومع استمرار التطور في تقنيات الطائرات المسيرة والذكاء الاصطناعي، قد يظهر جيل جديد من الأنظمة ذاتية التشغيل، وهو ما يستدعي تحديث التكتيكات واللوائح لضمان أمن المدنيين والحفاظ على سيادة الدول.
في المحصلة، يشير ظهور الطائرات المسيرة المسلحة في أمريكا اللاتينية إلى مرحلة جديدة من الجريمة المنظمة، تتطلب استجابة متكاملة بين الدول، وتعاونًا دوليًّا فعالًا لمكافحة تهديد متزايد ومعقد، يمتد من الجو إلى البحر، ويجمع بين الابتكار التكنولوجي والخبرة القتالية.