دخلت الولايات المتحدة في أزمة إغلاق حكومي جديدة، بعد فشل المشرعين في إقرار مشاريع قوانين الإنفاق في موعدها، لتواجه عدة سيناريوهات منها أن يطول الإغلاق ليتجاوز ذلك الذي كان في عهد إدارة دونالد ترامب الأولى، والذي استمرّ 35 يوماً.
ولا يعد "الإغلاق"، كما يُسمى، توقفاً كاملاً للحكومة، بل انقطاعاً جزئياً للتمويل يؤثر على بعض الوكالات، بينما تستمر خدمات أساسية مثل مدفوعات الضمان الاجتماعي، الرعاية الطبية، ورعاية المحاربين القدامى.
كما يبقى حرس الحدود، هيئة الأرصاد الجوية، والجيش في العمل، ومع ذلك، يعاني الموظفون الفيدراليون من تسريح أو عمل بدون أجر، مع وعود تعويض لاحقة، كما هددت إدارة ترامب بتسريحات دائمة.
يأتي هذا الوضع في سياق فشل الكونغرس في إقرار 12 مشروع قانون تخصيصات بحلول 30 سبتمبر، وهو الموعد السنوي لبداية السنة المالية في أكتوبر.
لم يحدث إقرار كامل لهذه المشاريع منذ 1997، مما دفع إلى الاعتماد على تمويلات مؤقتة، إذ إن المشروع الحالي المتنازع عليه يمدد التمويل فقط حتى نوفمبر، وسط خلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين.
يرى الديمقراطيون فيه فرصة لفرض نفوذهم الوحيد، مطالبين بإعادة دعم قانون الرعاية الصحية الميسرة (أوباماكير) لتجنب ارتفاع أقساط التأمين بنسبة 75% لـ24 مليون شخص، أما الجمهوريون، فيفضلون تأجيل النقاش.
لا يرى الديمقراطيون حاجة للاستسلام، كما لا يرى الجمهوريون حاجة للتوصل إلى اتفاق، بحسب "نيويورك تايمز"، وهو مؤشر على إن الإغلاق قد يتجاوز الرقم القياسي بـ 35 يوماً.
في المرة الأخيرة التي وجد فيها الديمقراطيون في مجلس الشيوخ أنفسهم يتحمّلون اللوم على إغلاق الحكومة، استسلموا بسرعة، وسارعوا إلى إعادة فتح الوكالات الفيدرالية في 2018، حيث طالب أعضاؤهم الأكثر اعتدالاً بحل سريع بعد ثلاثة أيام فقط.
لكن قد يكون هذا الإغلاق مختلفاً، وفق "نيويورك تايمز"، فقد رحل منذ زمن طويل الديمقراطيون من الولايات الحمراء الذين نددوا باستراتيجية الإغلاق باعتبارها سوء "تقدير أحمق"، وضغطوا من أجل التراجع الفوري عن هذه الاستراتيجية في المواجهة مع ترامب قبل سبع سنوات.
ويستعد الديمقراطيون الآن لمواجهة مطوّلة مع البيت الأبيض والجمهوريين في الكونغرس، رغم المخاطر السياسية الواضحة، إذ تسري الديناميكية نفسها في الحزب الجمهوري، الذي انحرف نحو اليمين في عهد ترامب، ولم يعد يرى مجالاً للتسوية.
ويعتقد الديمقراطيون أن لديهم رسالة قوية بشأن الرعاية الصحية، إذ من المتوقع أن يواجه بعض الأمريكيين ارتفاعاً حاداً في أقساط التأمين ما لم يوافق الجمهوريون على تمديد الدعم الفيدرالي بموجب قانون الرعاية الصحية الميسرة. وقد تجاهلوا تهديد ترامب بتسريح عدد كبير من الموظفين الفيدراليين، قائلين إنه سيفعل ذلك بغض النظر عن وضع التمويل الحكومي.
كما لا يرى الديمقراطيون فائدة كبيرة في توفير الأصوات اللازمة لتمديد الإنفاق المؤقت، لأن ترامب ومسؤول الميزانية راسل تي. فوغت، أظهرا بالفعل أنهما على استعداد لإنفاق الدولارات الفيدرالية، أو عدم إنفاقها، حسب الحالة، بالطريقة التي يريدانها، وبغض النظر عما يقوله الكونغرس.
وقد فعلوا ذلك حتى الآن دون مقاومة تذكر من جانب الجمهوريين في مجلس الشيوخ.
بينما كانوا يترقبون احتمال رد فعل سياسي عنيف من الكونغرس بإغلاق الوكالات الفيدرالية، بدا الديمقراطيون مستسلمين لمعركة إعلامية قد يخسرونها، أو في أحسن الأحوال يتعادلون فيها. لكن الموافقة على إبقاء الحكومة مفتوحة دون الحصول على أي مقابل بدت غير مقبولة لمعظمهم. كما صرّح الديمقراطيون سراً بأن الاستسلام سيُفقدهم أي نفوذ في المعارك الكبرى القادمة، إذا خرجوا خالِي الوفاض.
لكن وفق تحليل لوكالة "بلومبرغ"، فإن الديمقراطيين بتركيز مطالبهم على استعادة تمويل برنامج الرعاية الطبية، يستخدم الديمقراطيون في الكونغرس أقوى سلاح تشريعي لديهم، سعياً لتعزيز فرص الحزب في استعادة أغلبية مجلس النواب على الأقل في انتخابات التجديد النصفي لعام 2026.
وكثيراً ما يجادل الديمقراطيون في الكونغرس بأن أكبر وسيلة لديهم لوقف "اعتداء" ترامب على الحقوق والحريات تتمثل في استعادة الأغلبية في مجلس النواب عام 2026، وأن أفضل فرصة لهم لتحقيق ذلك تكمن في التركيز على قضايا رئيسة ملموسة كالرعاية الصحية.
بيد أن العديد من دارسي الديمقراطية، وفق تقرير "بلومبرغ"، يخشون من أن يؤدي الإحجام عن النضال الآن إلى تشجيع ترامب على تحطيم القيود بطرق يصعب إصلاحها لاحقاً، وهو ما سيؤذي الديمقراطية، لا الديمقراطيين.