الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
تشهد القوات المسلحة الأمريكية موجة غير مسبوقة من حوادث الطيران العسكري، مع ارتفاع نسبته 55% خلال أربع سنوات فقط، وفق بيانات حديثة لوزارة الدفاع. الزيادة التي أسفرت عن مقتل 90 عسكريًا وتدمير 89 طائرة وخسائر تتجاوز 9 مليارات دولار، فجّرت حالة من القلق داخل الكونغرس، وأطلقت نقاشًا واسعًا حول جاهزية الأسطول الجوي وتراجع معايير السلامة.
السيناتور إليزابيث وارن، التي كشفت البيانات رسميًا، قادت المطالبات بفرض شفافية أكبر على البنتاغون، عبر إلزامه بتقديم ملخصات دورية لتقارير التحقيق في الحوادث، بحسب صحيفة "يوراسيان تايمز".
الأرقام لا تعكس موجة استثنائية فحسب، بل انقلابًا على اتجاه دام عقدًا من التحسن. فمنذ عام 2006 كانت معدلات الحوادث في انخفاض مستمر، قبل أن تبدأ في الارتفاع مجددًا مع عام 2020، وصولًا إلى مستويات هي الأسوأ منذ عشر سنوات في العام المالي 2024.
انهيار في مؤشرات السلامة
تشير البيانات الجديدة إلى قفزة حادة في حوادث الفئة (A) وهي الأخطر وتشمل تدمير الطائرات أو الخسائر البشرية أو أضرارًا تفوق 2.5 مليون دولار؛ فقد ارتفع معدلها من 1.30 حادث لكل 100 ألف ساعة طيران عام 2020 إلى 2.02 حادث عام 2024.
وتكشف التفاصيل أن التدهور لم يقتصر على فرع دون آخر، فقد شهد سلاح مشاة البحرية الارتفاع الأكبر، إذ تضاعفت حوادث الفئة (A) ثلاث مرات تقريبًا، بينما تضاعفت الحوادث في الجيش الأمريكي من 0.76 إلى 2.02، وارتفع المعدل في القوات الجوية من 1.72 إلى 1.9؛ كما عاد المعدل للارتفاع في البحرية إلى 1.76، رغم تحسن نسبي بعد ذروة 2022.
هذه الزيادات تسلط الضوء على أزمة هيكلية تتجاوز الطيارين والمعدات إلى ثقافة السلامة نفسها؛ ففي 2022، قُتل 48 من مشاة البحرية في حوادث طيران، ما دفع القيادة العامة حينها لإطلاق مراجعة موسعة لـ"ثقافة السلامة".
وبعد عامين فقط، أعلنت القوات الجوية أنها فقدت 47 طيارًا في حوادث معظمها كان يمكن تفاديه.
وتظهر البيانات المالية حجم الاستنزاف المرافق لهذا التدهور. فقد ارتفعت خسائر الحوادث الكبرى من 1.6 مليار دولار عام 2022 إلى 2.9 مليار دولار عام 2023.
وفي الأشهر العشرة الأولى من 2024 وحدها، بلغت الخسائر 1.7 مليار دولار، مع مصرع 25 شخصًا وتدمير 14 طائرة.
واستمرار تسجيل حوادث قاتلة في 2025 — بينها فقدان البحرية أربع طائرات F/A-18F — يعزز مخاوف السيناريو الأسوأ؛ أن تكون القوات الأمريكية بصدد دخول "عقد جديد من المخاطر المتصاعدة".
من بين 4,280 حادثًا في الفترة من 2020 إلى 2024، تتصدر مروحية H-60 (بلاك هوك) قائمة الآليات الأكثر عرضة للحوادث؛ 23 حادثًا لكل 100 ألف ساعة طيران.
غير أن الخطورة البالغة تتضح أكثر في V-22 أوسبري، التي رغم انخفاض العدد النسبي لحوادثها، فإنها مسؤولة عن أكثر من 20% من الوفيات المسجلة في التقرير.
ازدادت الصورة قتامة مع تتابع حوادث صادمة، أبرزها اصطدام مروحية بلاك هوك بطائرة ركاب في واشنطن ومقتل 67 شخصًا، ثم تحطم مروحية نخبوية من الطراز نفسه في ولاية واشنطن ومصرع أربعة عسكريين.
كما فقدت البحرية الأمريكية عدة طائرات F/A-18 من على متن حاملة هاري ترومان خلال أسابيع، نتيجة هبوط فاشل ووقائع نيران صديقة.
التداعيات لم تبق محصورة داخل الولايات المتحدة. ففي أغسطس الماضي، ألغت ماليزيا صفقة شراء أربع طائرات بلاك هوك بقيمة تتجاوز 44 مليون دولار، بعد أن وصف ملك البلاد بعض النسخ القديمة بأنها "توابيت طائرة"، وهو وصف يعكس كيف بات وضع هذه الطائرات يؤثر على سمعتها التجارية عالميًا.
ضغط سياسي وتشريعي
يُترجم القلق في الكونغرس إلى تحركات ملموسة. فقد نجحت إليزابيث وارن ودان سوليفان في إدراج بند داخل مشروع قانون الدفاع الوطني لعام 2026 يجبر مجلس السلامة المشترك على تزويد المشرعين بملخصات تقارير التحقيق في الحوادث خلال السنوات الثلاث الماضية، بما يشمل الإجراءات التصحيحية المتخذة.
الهدف لا يقتصر على تعزيز الشفافية، بل يتعداه إلى كشف العوامل الجذرية وراء موجة الحوادث، وسط مؤشرات تربطها بضغط العمليات الخارجية وتراجع ساعات التدريب، وأعطال في الملاحة كالتي سبقت اصطدام واشنطن، إضافة إلى تقادم الطائرات وإرهاق المؤسسة العسكرية بعد عقود من الانتشار المستمر.
وتختصر وارن الموقف بعبارة لافتة: "الخسارة المتزايدة في الأرواح باتت خطرًا غير مقبول على الاستعداد العسكري والأمن القومي".
ومع استمرار سلسلة الحوادث حتى 2025، يتكثف النقاش في واشنطن حول ما إذا كان الوضع لا يمثل مجرد موجة طارئة، بل تحولًا خطيرًا في أداء الطيران العسكري الأمريكي، تحولًا يفرض إصلاحًا جذريًا قبل أن يتحول إلى أزمة ثقة في قدرات الجيش الجوي الأكثر تمويلًا في العالم.