المفوضية الأوروبية: نشهد تقدما حقيقيا بفضل التنسيق بين أوكرانيا وأوروبا والولايات المتحدة
على مدى ما يقرب من ثلاثة عقود، اعتُبر نظام ضبط الأسلحة في أستراليا نموذجاً عالمياً للسياسات العامة الفعّالة، فقد أُقرت هذه القوانين في أعقاب مجزرة "بورت آرثر" عام 1996، التي قُتل فيها 35 شخصاً في ولاية تسمانيا، وأسهمت في إحداث تغيير جذري في ملكية الأسلحة النارية، وخفض معدلات العنف المسلح بشكل حاد.
غير أن تقريراً لصحيفة "الغارديان" أكد أن هذه السمعة باتت اليوم موضع تدقيق متجدد، عقب الهجوم الدموي الذي وقع يوم الأحد في منطقة "بوندي" الساحلية، وهو حادث هزّ ثقة الرأي العام وأعاد إشعال الجدل حول الواقع الحقيقي لإمكانية الوصول إلى السلاح في أستراليا.
وبعد مجزرة "بورت آرثر"، واجهت الحكومة الفدرالية آنذاك، بقيادة إدارة محافظة، معارضة شرسة من لوبي السلاح لتنفيذ إصلاحات واسعة النطاق.
وفي مشهد نادر من الوحدة الوطنية، تعاونت العاصمة كانبيرا مع حكومات الولايات والأقاليم لحظر معظم الأسلحة شبه الآلية، وتشديد متطلبات الترخيص، وفرض شرط "السبب المشروع" لامتلاك السلاح. كما أدى برنامج وطني لإعادة شراء الأسلحة والعفو العام إلى سحب مئات الآلاف من القطع النارية من التداول.
وشعر الأستراليون لفترة طويلة بالفخر بنتائج هذه الإصلاحات، واعتقدوا أن بلادهم نجحت في تجنب وتيرة حوادث إطلاق النار الجماعي التي تشهدها دول أخرى. إلا أن خبراء يحذرون من أن هذا الشعور بالاطمئنان ربما أدى إلى قدر من التراخي.
وفي حين لا تزال تفاصيل السلاح المستخدم في هجوم "بوندي" غير واضحة، بما في ذلك ما إذا كان قد تم الحصول عليه بشكل قانوني، يرى دعاة السلامة من السلاح أن الوصول إلى الأسلحة لا يزال أسهل مما يدركه كثير من الأستراليين. ويشير هؤلاء إلى النمو الكبير في أعداد الأسلحة النارية، والفجوات التنظيمية بين الولايات، ونقاط الضعف في تطبيق القوانين، التي تسمح بتحويل الأسلحة القانونية إلى أيدي مجرمين.
وبحسب الصحيفة، تضم أستراليا اليوم أكثر من أربعة ملايين سلاح ناري متداول بين المدنيين، أي ما يقرب من ضعف العدد المسجل عام 2001. ورغم أن النمو السكاني يفسر جزءاً من هذه الزيادة، فإن معدل امتلاك السلاح للفرد بات أعلى مما كان عليه في الفترة التي أعقبت مجزرة "بورت آرثر" مباشرة.
ويُقدَّر أن نحو 2000 سلاح جديد يدخل المجتمع الأسترالي بشكل قانوني كل أسبوع.
وشجعت هذه الأرقام جماعاتٍ مؤيدةً للسلاح، يعلن بعضُها صراحة أنه "يكسب" المعركة الطويلة ضد التشديد الذي فُرض بعد عام 1996. ودعت منظمات الضغط هذه مالكي الأسلحة إلى أن يكونوا أكثر نشاطاً سياسياً لتوسيع نطاق الوصول إلى السلاح والتراجع عن القيود القائمة.
وفي الوقت نفسه، تزيد التهديدات المستجدة من تعقيد المشهد السياسي، إذ تواجه أجهزة إنفاذ القانون صعود الأسلحة المطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، التي يمكن تصنيعها خارج الأطر التنظيمية التقليدية، إلى جانب تنامي الحركات المتطرفة وحركات "المواطنين السياديين" التي تشكك في شرعية قوانين السلاح من الأساس.
ورغم الدعم الشعبي والسياسي الواسع للاتفاق الوطني للأسلحة النارية، فإن عناصر أساسية من هذا الإطار لا تزال غير مكتملة. فالسجل الوطني الموحد للأسلحة، الذي وُعد به منذ عقود، لم يُنفذ بالكامل حتى الآن. وبدلاً من ذلك، لا تزال أستراليا تعمل ضمن خليط من قوانين الولايات والأقاليم التي تختلف بشكل كبير، ويُطبَّق بعضها بصورة غير متسقة.
وقد سلطت الإصلاحات الأخيرة في ولاية أستراليا الغربية الضوء على المسار الذي ترى بعض السلطات أنه ينبغي للبلاد أن تسلكه. فالقوانين التي أُقرت العام الماضي حدّت من عدد الأسلحة التي يمكن للفرد امتلاكها، وشددت الفحوصات المتعلقة بالصحة النفسية لحاملي التراخيص.
ووصفت شرطة الولاية هذه الإجراءات بأنها قد تشكل "منارة" لبقية الولايات، معتبرة أنها تضع معياراً أعلى لسلامة المجتمع.
وختمت الصحيفة بالتأكيد أن هجوم "بوندي" فرض على أستراليا مواجهة وطنية صعبة. ومع تصاعد أعداد الأسلحة وتطور طبيعة التهديدات، يواجه صانعو القرار سؤالاً جوهرياً: هل لا يزال "المعيار الذهبي" الذي طالما افتخرت به البلاد كافياً، أم أن الوقت قد حان لتعزيزه مجدداً لمواكبة واقع متغير؟.