وسط أنقاض المدن المدمرة في دونيتسك، تلوح ملامح المرحلة الحاسمة من أطول معركة في شرق أوكرانيا، حيث تتجه الأنظار نحو مدينتي كراماتورسك وسلوفيانسك، اللتين تُعدّان آخر وأبرز معاقل القوات الأوكرانية في الإقليم، بعد شهور من القتال العنيف والمتواصل بين الجانبين.
ووفقًا لتقارير ميدانية، باتت مدينة بوتروفسك الواقعة غرب دونيتسك محور القتال الأشد كثافة، بعدما تمكنت القوات الروسية من السيطرة على مساحات واسعة من أحيائها الشمالية والشرقية. وجاء هذا التقدم بفضل استخدام تكتيكات التسلل عبر مجموعات صغيرة مدعومة بطائرات مسيّرة متطورة، إضافة إلى تعطيل شبكات الاتصالات الأوكرانية وشل خطوط الإمداد الحيوية في المنطقة.
وأكدت وزارة الدفاع الروسية أن مجموعتين هجوميتين تواصلان تطهير الأحياء المحاصرة في بوتروفسك، وأن القوات الأوكرانية أصبحت محاصرة دون فرصة للانسحاب سوى بالاستسلام الطوعي.
ولا تزال القوات الروسية تنفذ عمليات هندسية تستهدف الجسور والمعابر الحيوية على نهر فوفوتشا، وخلال الساعات الماضية تم تدمير جسرين من أصل 3 جسور، وهو ما تسبب في قطع ثلثي الإمدادات إلى المدينة.
وعلى الرغم من التقارير الإعلامية الغربية والبيانات الروسية، إلا أن الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي أكد في خطابه الأخير أن بوتروفسك ما زالت صامدة رغم الضغط الشديد.
ورغم التصريحات الأوكرانية التي تؤكد صمود الجبهة، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" نقلًا عن مصادر عسكرية في كييف، أن الوضع في بوتروفسك بات حرجًا، محذّرة من أن سقوطها سيجعل الدفاع عن كراماتورسك وسلوفيانسك أكثر تعقيدًا. ويأتي ذلك في ظل تكثيف الضربات الجوية الروسية واستمرار تعطل خطوط الإمداد نحو الخطوط الأمامية.
إلا أن الرد جاء سريعًا من المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية الذي أكد أن السيطرة على بوتروفسك ستفتح الطريق أمام القوات الروسية للتوجه شمالًا نحو كراماتورسك وسلوفيانسك، وأن العملية تسير ضمن خطة لتحرير كامل دونيتسك من القوات الأوكرانية.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد صرح قبل أيام بأن القوات الروسية تُحقق تقدما حقيقيا في دونيتسك "بفضل شجاعة الجنود ودقة العمل الاستخباراتي"، مؤكدًا أن المعركة ليست فقط من أجل السيطرة على أرض بل من أجل إنهاء التهديد الأوكراني المستمر ضد دونباس.
ويرى الدكتور آصف ملحم، مدير مركز "جي إس إم" للأبحاث والدراسات في موسكو، أن التطورات الأخيرة في دونيتسك ليست سوى بداية لمرحلة أوسع في الخطة الروسية.
ويؤكد أن التصريحات الأوكرانية الأخيرة تعكس قلقًا متزايدًا من اتساع نطاق التقدم الروسي ليس فقط في دونيتسك بل أيضًا في دنيبروبيتروفسك وزابوريجيا حيث بدأت الجبهة الجنوبية في التحرك بوتيرة غير مسبوقة.
ويشير ملحم في تصريحات لـ"إرم نيوز" إلى أن سقوط بوتروفسك إن تحقق سيؤدي إلى إعادة رسم خط الجبهة بأكمله، متوقعًا أن تتجه العمليات العسكرية الروسية نحو كونستانتينوفكا قبل أن تُغلق الجبهة بشكل شبه كامل، إيذانًا ببدء المرحلة الأخيرة من معركة دونباس.
ويضيف أن الأهداف التالية للجيش الروسي ستكون دروجكوفكا وسلافيانسك وكراماتورسك غير أنه يستبعد هجوما مباشرا على كراماتورسك في المدى القريب بسبب تحصيناتها القوية والجسور الملغومة التي تجعل المعركة فيها مكلفة للغاية.
وبحسب تصريحاته، فإن موسكو قد تلجأ إلى محاصرة كراماتورسك واستنزاف قواتها بدلا من اقتحامها تكرارًا لسيناريو بوتروفسك، وأن المدينتين الصناعيتين كراماتورسك وسلافيانسك تواجهان شللا متزايدا في الخدمات والحياة اليومية نتيجة الهجمات بالطائرات المسيرة الروسية، ما يجعل وضعهما الدفاعي أكثر هشاشة مع مرور الوقت.
ويعتبر ملحم أن التركيز على دونيتسك لا يلغي الأهمية الاستراتيجية القصوى لمنطقة زابوروجيا ونهر دنيبر، مشددًا على أن أي اختراق روسي محتمل هناك ستكون عواقبه أخطر من السيطرة على دونباس نفسها وهذا سيمنح موسكو طريقا بريا آمنا نحو شبه جزيرة القرم ويقوّض القدرة الأوكرانية على الدفاع في العمق.
ويشير إلى أن السيطرة الكاملة على دونيتسك لن تغير ميزان الحرب بشكل جذري، لكنها ستمهد لمرحلة أكثر خطورة في حال واصلت القوات الروسية التقدم نحو نهر دنيبر وزابوروجيا، وأن الهدف الحقيقي لموسكو قد لا يكون دونيتسك بقدر ما هو الوصول إلى الممر البري الذي يربط القرم بوسط أوكرانيا.
