يعد توقيف ألمانيا لقائد ميليشيا "شبيحة حلب" في عهد الرئيس السوري السابق بشار الأسد، تطورًا مهمًا في مسار المساءلة الدولية لجرائم الحرب، ومؤشرًا على تصاعد الضغط على مرتكبي الانتهاكات من أنظمة الاستبداد، حتى بعد مغادرتها السلطة أو تغير أوضاعها الأمنية.
ويرسخ هذا الإجراء مبدأ الولاية القضائية العالمية، ويبين أن لا مناص من المسؤولية، مهما طال الزمن أو تغيرت المواقع الجغرافية، بحسب خبراء.
وفي هذا السياق، اعتبر أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الشرق الأوسط، فابريس بلانش، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن الخطوة الألمانية تحمل بعدًا رمزيًا قويًا، فهي تبعث برسالة واضحة إلى النظام السوري وإلى المجتمع الدولي، أن الانتهاكات لا تضمر، وأن الاعتقال والملاحقة القضائية يُمكِنان الضحايا من استعادة جزء من كرامتهم.
ويرى بلانش أن هذه المحاكمة تمثل انفراجًا مهمًا في المسار الذي ظل لسنوات يتغاضى فيه كثير من الأطراف عن محاسبة كبار المسؤولين، تحت ذرائع الحماية القانونية أو الطابع الدولي للنظام، موضحاً أن "ما يحدث في ألمانيا، اليوم، يجب أن يكون حافزًا لفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية لكي تعيد النظر في تقاعسها عن ملاحقة الجرائم الدولية، خاصة حين تُستخدم الإجراءات القضائية كوسيلة أساسية للحق والعدالة".
وأضاف أن هذه الإجراءات ليست فقط من أجل العقاب، بل ضرورية لتغذية الشرعية الدولية، إذ إن تجاهل هذه الجرائم يقوض من مصداقية القوانين الدولية، ومن قدرة المنظمات الحقوقية على الضغط من أجل تغيرات فعلية في أنظمة حقوق الإنسان.
وأعلنت السلطات الألمانية، الثلاثاء، عن توقيف مواطن سوري يشتبه في ارتكابه جرائم ضد الإنسانية خلال بدايات الحرب الأهلية السورية العام 2011، حين كان يقود ميليشيا موالية للنظام في مدينة حلب.
وبحسب بيان صادر عن النيابة العامة الفيدرالية في كارلسروه، فإن الشرطة ألقت القبض على المشتبه به، ويدعى أنور س (وفق قوانين حماية الخصوصية الألمانية)، بعد تحقيقات رجحت مسؤوليته عن عمليات قتل، وتعذيب، واحتجاز غير قانوني ضد متظاهرين سوريين.
ووفق مذكرة التوقيف، كان المتهم يقود مجموعة من "ميليشيا الشبيحة" التي عملت لصالح نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، وقامت بقمع المظاهرات السلمية في حلب خلال المراحل الأولى من الانتفاضة.
وأضاف الادعاء أن الميليشيا، في 8 مناسبات، ما بين أبريل/نيسان ونوفمبر/تشرين الثاني العام 2011، اعتدت على المدنيين بعد صلاة الجمعة، مستخدمة العصي والأنابيب المعدنية وأدوات حديدية لتفريق المحتجين، كما جرى اللجوء إلى الصعق الكهربائي.
وأشار البيان إلى أن المتظاهرين الذين تم اعتقالهم وتسليمهم للشرطة، وأجهزة الاستخبارات، تعرضوا لمزيد من الانتهاكات أثناء الاحتجاز.
وفي إحدى الحالات، تعرض أحد المتظاهرين لإصابة بالغة أمام مسجد في حي سعيد الدولة بحلب، ما أدى إلى وفاته لاحقًا.
يمثل هذا التوقيف حلقة جديدة في سلسلة من المحاكمات التي تشهدها ألمانيا ضد مسؤولين سابقين متورطين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت في سوريا.
وتستند برلين إلى قانون خاص يعرف بـ"قانون الجرائم ضد القانون الدولي"، الذي يمنح المحاكم الألمانية الولاية القضائية العالمية على الجرائم الكبرى مثل جرائم الحرب والإبادة الجماعية، حتى إذا وقعت خارج الأراضي الألمانية.
وتأتي هذه الخطوة بعد أن أصدرت السلطات القضائية السورية نفسها، مؤخرًا، مذكرة توقيف بحق الرئيس السابق بشار الأسد بتهم تتعلق بجرائم ارتكبت في مدينة درعا، مهد الانتفاضة السورية التي تحولت إلى نزاع مسلح دموي منذ العام 2011.