في خطوة صدمت الأوساط السياسية والإعلامية داخل الولايات المتحدة وخارجها، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عفوًا مثيرًا للجدل عن الرئيس الهندوراسي السابق خوان أورلاندو هيرنانديز، المُدان في واحدة من أكبر قضايا الاتجار بالمخدرات في تاريخ المنطقة.
القرار أثار تساؤلات واسعة حول خلفياته ودوافعه، خاصة أنه جاء في خضم حرب أمريكية متصاعدة ضد شبكات تهريب المخدرات، وفي ظل ضغوط سياسية وجدال داخلي بين الجمهوريين أنفسهم.
لكن خلف الضجيج السياسي، يبرز اسم "بروسبيرا" — المشروع الاقتصادي على جزيرة رواتان — كأحد الخيوط الخفية التي ساهمت في تشكيل هذا القرار.
وبحسب صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، فإن العفو الذي أصدره ترامب عن أورلاندو هيرنانديز شكّل صدمة وصلت حتى صفوف الحزب الجمهوري نفسه. هيرنانديز، الذي حكم هندوراس بين عامي 2014 و2022، كان يقضي حكمًا بالسجن 45 عامًا في سجن أمريكي شديد الحراسة بولاية فرجينيا الغربية، قبل أن يفاجئ ترامب الجميع بإعلان الإفراج عنه.
بعد انتهاء ولايته عام 2022، ومع توالي فضائح طالت أفرادًا من عائلته، سلّم هيرنانديز نفسه للشرطة في العاصمة تيغوسيغالبا. وكانت إدارة بايدن قد وضعته قبل ذلك على قائمة "القادة السياسيين الفاسدين"، قبل أن يتم ترحيله إلى الولايات المتحدة لمحاكمته.
المدعون الفيدراليون في نيويورك اتهموا هيرنانديز ببناء "ناركودولة" عبر تلقي رشى بملايين الدولارات مقابل حماية شبكات تهريب المخدرات وتسهيل مرور مئات الأطنان من الكوكايين نحو الأراضي الأمريكية. وأكد الادعاء أنه لعب دورًا محوريًّا في أحد أوسع وأعنف شبكات تهريب المخدرات في العالم، قبل أن تتم إدانته عام 2024.
هذا العفو فجّر موجة انتقادات واسعة، حتى من داخل الحزب الجمهوري. السيناتور الجمهوري ثوم تيليس اعتبر القرار "رسالة كارثية"، بينما تجنّب آخرون الخوض في القضية بشكل واضح. أما السيناتور تيد كروز فقال إنه لم يطّلع على تفاصيل الحكم، فيما أبدت السيناتورة سوزان كولينز تحفظًا قائلة: "لا يبدو أنه مرشّح مناسب للعفو".
ورغم الانتقادات، اكتفى ترامب بتصريحات مقتضبة، قائلًا إن هيرنانديز "تعرّض لمعاملة قاسية وغير عادلة"، وإنه "ضحية مؤامرة من بايدن"، مؤكدًا أن "الكثير من الهندوراسيين" مقتنعون بذلك، وإنه — بعد اطلاعه على الوقائع — يشاركهم الرأي.
لكن، خلف الكواليس، تقول الصحف الأمريكية إن عملية العفو جاءت نتيجة حملة ضغط طويلة وصلت إلى الدائرة المقرّبة من ترامب. فهيرنانديز كان خلال سنوات حكمه على علاقة وثيقة بعدة شخصيات نافذة في الولايات المتحدة، سواء في عالم الأعمال أو في الأوساط الدينية الإنجيلية.
كشفت "وول ستريت جورنال" أن اثنين من المقربين من ترامب لعبا دورًا أساسيًّا في الدفاع عنه: مات غايتس، النائب السابق من فلوريدا والمدافع الشرس عن ترامب، وروجر ستون، الحليف القديم للرئيس ومستشاره غير الرسمي.
ووصف الأخير رسالة كتبها هيرنانديز لترامب بأنها "بالغة الإقناع". في تلك الرسالة شبّه هيرنانديز نفسه بترامب، باعتباره "ضحية للدولة العميقة" ولاضطهاد سياسي، وهاجم الحكومة "الشيوعية" برئاسة شيومارا كاسترو في هندوراس، متهمًا إياها بالتحالف مع تجار مخدرات فنزويليين ومع نيكولاس مادورو.
ومن منظور بعض المحافظين الأمريكيين، فإن دعم هيرنانديز — الحليف الأمني السابق لترامب — سيعزز فرص حزبه الوطني في مواجهة الرئيسة اليسارية الحالية، وسيمنح واشنطن "انتصارًا استراتيجيًّا" في المنطقة، وفق روجر ستون.
وجاء العفو قبل أيام من الانتخابات في هندوراس، ولا يُعرف بعد إن كان قد أثّر على نتائجها. أما زوجة هيرنانديز — التي لعبت دورًا محوريًّا في الحصول على العفو — فقالت إن ترامب "وقف في صف الديمقراطية في هندوراس لمنع تحوّل البلاد إلى فنزويلا أو كوبا جديدة".
لكن خلف الدوافع السياسية، يبرز عامل بالغ الأهمية: مشروع بروسبيرا على جزيرة رواتان، هذه المنطقة الاقتصادية الخاصة، التي أطلقها هيرنانديز في بداية ولايته، أصبحت مركز اهتمام شركات التكنولوجيا الكبرى؛ بسبب قوانينها المحفزة للقطاع الخاص وبيئتها "المتحررة" من القيود التقليدية.
المشروع سعى إلى إقامة "مدينة ليبرتارية" يدير فيها المستثمرون القواعد الاقتصادية والاجتماعية بأنفسهم. ومن بين الداعمين الأوائل كانت شخصيات كبرى في وادي السيليكون، من بينهم بيتر ثيل، أحد أبرز داعمي ترامب، والذي نفى أي صلة له بقرار العفو.
منذ وصول اليسار إلى الحكم عام 2022، دخلت حكومة كاسترو في صراع مفتوح مع بروسبيرا، واعتبرت المشروع تهديدًا لسيادة البلاد. ورغم الدعاوى القضائية، لا يزال المشروع قائمًا.
وكان روجر ستون قد صعّد هجماته ضد الحكومة اليسارية، محذرًا من أن مستقبل "الحرية العالمية" يتوقف على نجاح بروسبيرا، ومعتبرًا أن "القضاء على الاشتراكية" في هندوراس ضرورة سياسية.
في النهاية، وبينما يتواصل الجدل السياسي والقانوني، يبدو أن قرار العفو عن "بارون المخدرات" المُدان لم يكن مجرد خطوة إنسانية ولا فقط مناكفة لخصوم ترامب، بل جزء من شبكة معقدة من المصالح السياسية والاقتصادية — تقف بروسبيرا في قلبها — في بلد لطالما كان ساحة نفوذ لواشنطن في أمريكا الوسطى.