تستعد أوروبا لأسوأ السيناريوهات على حدودها الشرقية، حيث تعمل المفوضية الأوروبية على إعداد خطة عسكرية ضخمة لتحويل القارة إلى "ممر سريع" لنقل القوات والمعدات العسكرية في مواجهة محتملة مع روسيا.
هذه التحركات تأتي تزامناً مع خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المكونة من 28 بندًا للسلام بين موسكو وكييف، وأيضاً على وقع تحذيرات أوروبية من قدرة موسكو على شن هجمات سريعة قد تهدد دول أعضاء في حلف الناتو خلال السنوات المقبلة.
تشمل الخطة الأوروبية خفض البيروقراطية، وتسريع الإجراءات الإدارية بشكل جذري، إلى جانب ضخ استثمارات جديدة بقيمة 17.7 مليار يورو لتسهيل نقل القوات والأسلحة من أوروبا الغربية إلى الجبهة الشرقية.
وفي قلب الإستراتيجية الأوروبية، تنفيذ نظام الاستجابة المعزز للتنقل العسكري الأوروبي (EMERS)، الذي يتيح للدول الأعضاء والمفوضية تعليق قواعد النقل العادية في حالات الطوارئ، ما يمنح الجيش أولوية الوصول إلى البنية التحتية، ووسائل النقل، والخدمات الأساسية بسرعة فائقة.
وتسعى المفوضية الأوروبية إلى تطبيق نموذج يشبه منطقة "شنغن" المفتوحة ولكن للمعدات العسكرية، مع استثناءات من قواعد الجمارك والنقل، بما في ذلك أوقات القيادة وفترات الراحة للسائقين، إلى جانب إجراءات جمركية سريعة خاصة بالمعدات العسكرية.
كما ستقوم كل دولة عضو بتعيين منسق وطني للنقل العسكري ليكون نقطة الاتصال المركزية في الأزمات، بينما يشرف مجلس التنقل العسكري الأوروبي على التنفيذ والتنسيق الميداني بين الدول والوكالات الأوروبية.
وتشير الوثيقة الداخلية للمفوضية إلى وجود عوائق كبيرة، حالياً، أمام التنقل العسكري الفعّال، حيث تتباين القواعد الوطنية ومتطلبات الإخطار المسبق، الذي قد يصل إلى 45 يومًا قبل السماح بعبور المعدات العسكرية.
ومن المتوقع أن تتضمن الخطة مراجعات شاملة للسكك الحديدية والخدمات الجوية، وتعزيز المطارات ذات الاستخدام المزدوج المدني العسكري، مع إنشاء صندوق تضامني واحتياطي للنقل الإستراتيجي لاستخدامه المشترك خلال الأزمات.
وتفتح هذه التحركات الاستثنائية والغريبة الباب أمام التساؤلات حول مدى جاهزية أوروبا وقدرتها على تحويل هذه الخطط إلى واقع على الأرض، بالإضافة إلى تقييم المخاطر المحتملة والتداعيات الإستراتيجية على العلاقة مع روسيا.
ويرى الخبراء أن التحركات العسكرية الأوروبية، ونشر القوات داخل القارة، تأتيان ضمن خطط طوارئ معدة، مسبقاً، لمواجهة أي تصعيد محتمل مع روسيا، مع تعزيز قدرات الردع عبر نشر القوات في الدول المجاورة لأوكرانيا، وتسهيل التنقل العسكري باستخدام نظام "EMERS"، وخفض الإجراءات البيروقراطية.
وأشاروا إلى أن هذه التحركات تمثل رسالة واضحة لموسكو بأن أوروبا، بدعم حلف الناتو والولايات المتحدة، مستعدة لأي مواجهة محتملة، مع الأخذ في الاعتبار أن بعض المبادرات الغربية تسعى إلى تسوية سلمية محتملة لصالح روسيا بعد تقدمها العسكري في شرق أوكرانيا.
في هذا الإطار، قال مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات إبراهيم كابان، إن التحركات العسكرية الأوروبية، ونشر القوات داخل القارة، تتم، دائماً، ضمن خطط طوارئ معدة مسبقًا، مشيرًا إلى أن هذه العمليات تنفذ وفق اتفاقيات حلف الناتو بين الدول الأعضاء.
وقال لـ"إرم نيوز" إن القوات الأمريكية متواجدة في أوروبا منذ سنوات، خاصة في ألمانيا، حيث توجد قواعد للقوات البرية والجوية، بالإضافة إلى منظومات صواريخ باتريوت الدفاعية.
وأضاف كابان، أن هناك مقترحات داخل الاتحاد الأوروبي، لا سيما لدى الدول المتاخمة لأوكرانيا، لنشر قوات على الحدود مع روسيا، خاصة أن المخاوف الحقيقية لهذه الدول هي الطموحات الروسية.
وأوضح أن الموقف الأوكراني أصبح محرجًا لجميع الأطراف، إذ إن سقوط أوكرانيا قد يضع أوروبا كلها تحت التهديد الروسي.
وأشار إلى أن أوروبا تعمل على تجهيز خطط الطوارئ من خلال نشر قوات لدول الحلف في البلدان المجاورة لروسيا، مشيرًا إلى أن دول أوروبا الشرقية بدأت تتحرك، الآن، وفق إستراتيجيات الناتو بعد أن كانت تواجه عوائق بيروقراطية تتطلب موافقات رسمية من الاتحاد الأوروبي.
وأكد كابان أن معظم الدول الأوروبية تبحث عن تعزيز انتشارها العسكري لإظهار قوتها ضمن إطار عمل مشترك مع حلف الناتو وبمشاركة الولايات المتحدة، معتبرًا أن هذه التحركات ترسل رسائل واضحة إلى روسيا بأن أوروبا ليست وحدها، بل يقف خلفها الحلف والولايات المتحدة.
وقال إن على دول الناتو توسيع انتشارها العسكري في أوروبا، باعتباره اتجاهًا جديدًا لتسهيل التحركات المستقبلية، وفرض قيود على الطموحات الروسية التي قد تتجاوز أوكرانيا.
المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأمريكية الدكتور توفيق حميد، من جهته، قال إن مساعي أوروبا لوضع خطة للانتشار العسكري داخل القارة تأتي في إطار استعدادها لأي طارئ أو مواجهة محتملة مع روسيا، مشيرًا إلى أن هذا التحرك يندرج ضمن التخطيط لأسوأ السيناريوهات المحتملة.
وأكد حميد لـ"إرم نيوز" أن هذا التوجه الأوروبي تصاعد، بشكل ملحوظ، في ظل التصعيد العسكري الأخير والتقدم الذي تحققه القوات الروسية في السيطرة على شرق أوكرانيا.
ولفت إلى أن التحرك الأوروبي يمثل رسالة مباشرة إلى موسكو بأن أوروبا مستعدة لأي مواجهة محتملة، وأن قواتها، بدعم دول الحلف، تمتلك تفوق واضح في قدراتها العسكرية والبشرية مقارنة بروسيا.
وأشار حميد إلى أن الولايات المتحدة تتصدر هذا الحلف، مما يعزز قوة الردع الغربية، واستدرك قائلا: "إن الأمور قد لا تتجه بالضرورة نحو مواجهة مفتوحة، في ظل مساعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف الحرب وطرح خطة جديدة للتسوية السلمية تقوم على ما وصفه بصفقة تنازلات لصالح روسيا بعد تقدمها العسكري وسيطرتها على مناطق واسعة شرق أوكرانيا".