أُعيد تفعيل عقوبات أممية شاملة ضد إيران، للمرة الأولى منذ 10 سنوات، بعد تعثر المحادثات بين طهران والقوى الغربية بشأن البرنامج النووي الإيراني.
ودخلت العقوبات، التي تحظر التعاملات المرتبطة ببرنامجي إيران النووي والصاروخي إلى جانب تدابير أخرى، حيز التنفيذ تلقائيًّا الساعة 8 مساء بتوقيت نيويورك السبت (12,00 بتوقيت غرينتش الأحد)، ومن المتوقع أن يكون لها تأثيرات أوسع على الاقتصاد.
وأبرمت إيران والقوى الكبرى اتفاقًا بشأن برنامجها النووي في العام 2015، أتاح رفع عقوبات اقتصادية كان مجلس الأمن الدولي يفرضها عليها، لقاء تقييد نشاطاتها النووية.
وباتت مفاعيل الاتفاق في حكم اللاغية بعدما انسحبت واشنطن أحاديًّا منه عام 2018؛ ما دفع طهران إلى التراجع تدريجيًّا عن تنفيذ بنود أساسية فيه.
وحدّد اتفاق 2015 تحت اسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، سقف مستوى التخصيب عند 3,67 %، الا أن إيران باتت الدولة الوحيدة غير المسلحة نوويًّا، التي تخصب اليورانيوم بمستويات عالية (60%)، قريبة من الحد التقني اللازم لإنتاج القنبلة الذرية (90%)، بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وتملك إيران، وفق الوكالة، نحو 440 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهو مخزون يكفي في حال تخصيبه إلى 90% لإنتاج ما بين 8 إلى 10 قنابل نووية، وفق خبراء.
وأجرت الولايات المتحدة وإيران مباحثات بشأن اتفاق جديد في وقت سابق من هذا العام. الا أن طهران انسحبت منها بعد شن إسرائيل هجومًا واسعًا عليها في يونيو/ حزيران، تدخلت فيه واشنطن باستهداف منشآت نووية أساسية، بحسب "فرانس برس".
وقال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان السبت، إن واشنطن طلبت من طهران تسليمها كل مخزون اليورانيوم المخصب لقاء تمديد رفع العقوبات.
وصرح في نيويورك، حيث شارك في الجمعية العامة للأمم المتحدة، للصحفيين، بأن الولايات المتحدة "تريدنا أن نسلمها كل اليورانيوم المخصب لدينا مقابل إعفاء من العقوبات لمدة 3 أشهر... ذلك غير مقبول بأي شكل من الأشكال".
وأردف بزشكيان: "بعد بضعة أشهر، سيكون لهم مطالب جديدة وسيقولون (مجدّدًا) إنهم يريدون تفعيل آلية العقوبات".
وأواخر أغسطس/ آب، أطلقت بلدان الترويكا الأوروبية (أي بريطانيا وفرنسا وألمانيا) ما تسمى "آلية الزناد" التي تتيح إعادة فرض العقوبات التي رفعت عن إيران بعد اتفاق العام 2015.
ومنح مجلس الأمن الضوء الأخضر لهذه الخطوة، وفشل مسعى روسي-صيني مشترك ليلة السبت، في تمديد المهلة. ونتيجة ذلك، أعيد ليلة الأحد فرض العقوبات.
واحتجاجًا على هذه التطوّرات، استدعت طهران سفراءها في فرنسا وألمانيا وبريطانيا "للتشاور"، وفق ما أفاد الإعلام الرسمي الإيراني السبت.
والسبت، اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الدول الغربية بـ"تخريب" المساعي الدبلوماسية.
وقال من على منبر الأمم المتحدة، إن رفض مجلس الأمن المقترح الروسي الصيني الجمعة "أظهر سياسة الغرب الهادفة إلى تخريب مواصلة الحلول البناءة"، منددًا بما اعتبره "ابتزازًا".
وقال وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، إن بلاده التي بادرت إلى إعادة فرض العقوبات إلى جانب بريطانيا وفرنسا "ليس لديها خيار"؛ لأن إيران لم تمتثل لالتزاماتها.
وأضاف: "لكن دعوني أؤكد: ما زلنا منفتحين على المفاوضات بشأن اتفاق جديد. ويمكن، بل ينبغي، أن تستمر الدبلوماسية".
ودعا وزراء خارجية دول الترويكا الأوروبية في بيان مشترك إيران إلى "الامتناع عن أي عمل تصعيدي" مع إعادة فرض العقوبات.
أما وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو فقد دعا إيران السبت إلى الموافقة على إجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة.
وقال روبيو في بيان إن "الدبلوماسية لا تزال خيارًا والتوصل لاتفاق يظل النتيجة الفضلى للشعب الإيراني والعالم".
وفي طهران، تثير عودة العقوبات خشية من صعوبات اقتصادية إضافية.
وقال داريوش، وهو مهندس في الخمسين: "الوضع صعب للغاية حاليًّا، لكنه سيسوء"، مضيفًا: "تأثير عودة العقوبات ماثل أمامنا: سعر صرف (الريال إزاء الدولار) ارتفع، وهذا يؤدي إلى زيادة في الأسعار".
وأضاف داريوش: "تخشى غالبية الناس حربًا جديدة بسبب إعادة فرض العقوبات، في إشارة الى ما جرى في يونيو/ حزيران.
ووصل سعر الصرف السبت إلى مستوى قياسي هو 1,12 مليون ريال للدولار. ولاحظ شهود عيان إقبالًا يفوق المعتاد على شراء الذهب في بازار طهران.
وشهدت أروقة الأمم المتحدة اجتماعات مكثفة هذا الأسبوع بحثًا عن حل، خصوصًا عبر لقاء بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبزشكيان. غير أن الأوروبيين اعتبروا أن إيران لم تتخذ "الإجراءات الملموسة" المطلوبة منها.
ووضعت الدول الأوروبية 3 شروط تشمل مطالبة إيران بمنح مفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وصولًا كاملًا إلى المنشآت النووية الأساسية، واستئناف المفاوضات ولا سيّما مع واشنطن، فضلًا عن اعتماد آلية لضمان أمن مخزون اليورانيوم المخصّب.
وبعد تعليق العمل مع الوكالة الأممية إثر هجمات يونيو/ حزيران، قبلت إيران مجدّدًا مطلع سبتمبر/ أيلول بإطار جديد للتعاون مع الوكالة.
وأفادت الوكالة، ليلة السبت، باستئناف عمليات التفتيش في بعض المواقع النووية هذا الأسبوع.
واتهم وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الأمريكيين والأوروبيين بـ"سوء النيّة"، مؤكدًا أن "طهران لن ترضخ أبدًا للضغوط في ملفها النووي".
وأكد الرئيس الإيراني من جهته أن طهران لن تنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي ردًّا على العقوبات.
ويعتبر الإيرانيون، كما الروس والصينيون، إعادة فرض العقوبات على دولتهم غير قانونية.
وفي ظل هذه التطوّرات، يخشى مراقبون أن تقرر بعض البلدان، وأبرزها روسيا، النأي بنفسها عن قرار مجلس الأمن إعادة فرض العقوبات، وهي فرضية لمّح إليها الجمعة نائب السفير الروسي في الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي.
وقال بعد تصويت المجلس: "لا زناد ولن يكون هناك زناد. وكل محاولة لإعادة إحياء القرارات المناهضة لإيران... المعتمدة قبل 2015 هي لاغية وباطلة".
ومنذ سنوات، يشكل الملف النووي مصدر توتر بين طهران والدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، التي تتّهم إيران بالسعي إلى التزوّد بالقنبلة الذرّية، وهو أمر تنفيه طهران.
وكرر بزشكيان هذا الأسبوع من على منبر الجمعية العامة أن "إيران لم تسعَ يومًا ولن تسعى أبدًا إلى تصنيع قنبلة ذرية. ونحن لا نريد أسلحة نووية".