رأى خبراء في العلاقات الدولية، أن باريس تعمل في ظل زيارة موفدتها آن كلير لوجاندر إلى بيروت، نحو السعي لعرقلة توجيه الضربة الإسرائيلية المنتظرة على لبنان.
ووفق الخبراء, فإن فرنسا تسعى لذلك من خلال العمل على الاستغلال المباشر لبروز عامل جديد في العلاقة الفرنسية الإيرانية مؤخرا، وهو الإفراج المتبادل عن سجناء بين باريس وطهران، للانطلاق من ذلك نحو التعامل مع التهديدات الإسرائيلية الخاصة بتوجيه ضربة عسكرية نحو الجنوب.
وأوضحوا في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الإفراج المتبادل عن سجناء مؤخرا بين فرنسا وإيران، يجعل الإليزيه يبني على هذا الجو الإيجابي بين باريس وطهران، لمحاولة إقناع إيران بأن تزيل من حساباتها أن لبنان ورقة بأيديها والعمل على تشجيع حزب الله بالاندماج بالسياسة اللبنانية وعدم عرقلة أي أمور مطروحة لمنع الحرب الإسرائيلية على لبنان بالمرحلة الحالية.
وتقوم مستشارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للشرق الأوسط، آن كلير لوجاندر، بزيارة إلى العاصمة اللبنانية بيروت، وذلك في وقت يدور فيه جدل حول مدى التنسيق الفرنسي الأمريكي فيما يخص الملف اللبناني بأكمله.
وتبادلت إيران وفرنسا الأسبوع الماضي، الإفراج عن سجناء، وذلك عندما أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أن امرأة إيرانية أطلقت فرنسا سراحها وهي موجودة الآن في سفارة طهران في باريس، وذلك بعد أن أفرجت بلاده عن مواطنين فرنسيين بكفالة.
وتقول المتخصصة في العلاقات اللبنانية العربية والدولية، ثريا شاهين، إن الموفدة الفرنسية لن تحل مكان الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، على العكس فإن زيارتها لبيروت هي لدعم عمل الأخير في لبنان، لاسيما بعد أن استشعرت باريس آخر أسبوعين أن هناك تصعيدا في لهجة إسرائيل أو حزب الله، وأن ذلك يمثل خطرا كبيرا على لبنان ولذلك سعت للبحث عن مسعى للتهدئة.
وأضافت شاهين في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن باريس يهمها أن يسير لبنان بجدية في ملف حصرية السلاح في يد الدولة، ولا تخفي أنها كانت تنتظر منه خطوات أكثر سرعة مما جرى حتى الآن في ذلك، وفرنسا حتى الآن تركز على ضرورة نزع السلاح والمضي قدما في خطوات بهذا الإطار، لما لذلك من حل لعقد كثيرة.
وأفادت شاهين أن فرنسا يهمها انعقاد مؤتمر دعم لبنان وإعادة الإعمار، ومؤتمر دعم الجيش اللبناني، ولكنها تعلم أن لبنان لم يقم بخطوات في نزع السلاح والنهوض الاقتصادي أو تقديم برنامج عمل يتعلق بصندوق النقد.
ومن دون ذلك لن يكون هناك مؤتمر دعم اقتصادي، الأمر الذي يتطلب سير لبنان بجدية في الطريق السياسي والأمني الخاص بحصر السلاح، لأنه من دون ذلك لن تقدم مساعدات إلى لبنان، وبالتالي باريس تريد أن تساعد بيروت في التوصل لتهيئة دولية تعمل على دعم هذه المؤتمرات.
وتعتقد شاهين، أن هناك بروزا لعامل جديد في العلاقة الفرنسية الإيرانية مؤخرا من الممكن أن تراهن عليه باريس في العمل على تخفيف التوتر في الجنوب والتهديدات على لبنان، وهو الإفراج عن سجناء بين فرنسا وإيران، مما يجعل قصر الإليزيه يبني على هذا الجو الإيجابي بين باريس وطهران إقناع الأخيرة بأن تزيل من حساباتها أن لبنان ورقة بأيديها والعمل على تشجيع حزب الله بالاندماج بالسياسة اللبنانية وعدم عرقلة أي أمور مطروحة لمنع الحرب على لبنان بالمرحلة الحالية.
وتابعت شاهين أن فرنسا دائما دولة داعمة للبنان وتحرك أموره في مجلس الأمن من جهة، ومن جهة أخرى عامل مساعد للإدارة الأمريكية بتحقيق معظم سياساتها بالنسبة للبنان، وهناك تنسيق فرنسي أمريكي فيما يخص الملف اللبناني بأكمله.
وقال المحلل السياسي اللبناني داني سركيس إن زيارة الموفدة الفرنسية إلى بيروت تأتي في هذا التوقيت ضمن مساعٍ لتثبيت آلية وقف إطلاق النار، التي باتت مهددة في ظل الحديث عن عملية عسكرية إسرائيلية محتملة.
وأوضح سركيس أن الزيارة تحمل أيضًا بُعدًا دوليًا يعكس توازنًا دقيقًا بين دعم إسرائيل من جهة، والضغط على لبنان من جهة أخرى، في ظل موقف المبعوث الأمريكي توم باراك الذي يرى أن لبنان لم يحقق أي تقدم ملموس في تنفيذ خطة نزع السلاح التي أقرتها الحكومة في أغسطس الماضي، والتي تقضي بأن يتولى الجيش اللبناني تنفيذها انطلاقًا من منطقة جنوب الليطاني.
وأفاد سركيس في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن فرنسا عملت كثيرًا على تقديم دور التسوية العقلانية في أكثر من أزمة بين لبنان وإسرائيل، وهو ما كان له مفعول إيجابي في العديد من المواقف خلال السنوات الماضية.
ولكن تل أبيب بعد أن أهلكت الجناح العسكري لحزب الله عقب الحرب الأخيرة ومن ثم الضغط العالي المستمر طوال الأشهر الماضية بضربات تستهدف عناصر ومستودعات في الجنوب والبقاع، ترى إسرائيل أن العملية العسكرية الآن فرصة ذهبية للقضاء على حزب الله على الأقل عسكريًا.
واستكمل سركيس، أن الموفدة الفرنسية لم تأتِ إلى لبنان بأفكار معينة للحل ولكنها تحاول البحث عن مخرج يبعد أي عملية عسكرية مدمرة ومكلفة على لبنان، وأن تكون هناك معطيات جديدة من الممكن أن تقدمها للولايات المتحدة أملا في البحث عن حل حقيقي في عملية نزع السلاح.
ومن جهة أخرى، البحث مع طهران عن أي حلول ولو جزئية تسمح لحزب الله بتقديمها "تنازلات" فيما يخص نزع السلاح، حتى يحمي لبنان من الضربة المنتظرة.
وبدوره، يرى الباحث السياسي اللبناني الدكتور ميشال شماعي، أنه من المهم الإدراك جيدا مدى حجم الوجود الأمريكي في السنوات الأخيرة حتى على حساب الحليف الأوروبي بما فيه فرنسا، وأصبحت مناطق عدة تحت المظلة الأمريكية.
ويرجح شماعي في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الدور الفرنسي اليوم لا يتعدى كونه دورا حضاريا ثقافيا، حيث لا تستطيع باريس التأثير في الجو الجيوستراتيجي والتغيرات السياسية التي تجري في المنطقة.
وأردف شماعي بالقول إن الطرف الفرنسي قادر على أن يلعب دور تنظيم مؤتمرات اقتصادية وجذب استثمارات، ولكن في السياسة الخاصة بلبنان، فهو غير قادر على الضغط، سواء على الحكومة اللبنانية أو حزب الله وبالطبع على إسرائيل المعروفة بولائها المطلق للولايات المتحدة.