ترامب يعلن أنه سيوجّه "خطابا إلى الأمة" الأربعاء
طوى لبنان صفحة مشرقة من تاريخه الدستوري، برحيل الدكتور حسن الرفاعي عن عمر 102، تاركاً وراءه إرثاً قانونياً وسياسياً يعد مرجعاً للبنان، ولكل الأجيال السابقة واللاحقة.
كان الرفاعي، المولود في بعلبك العام 1923، ابن بيت تميز بالوطنية وتكريس العادلة، لتكبر معه ويحولها إلى دستور حياة، دافع به عن الهوية اللبنانية التي مرت بعواصف لا تعد ولا تحصى.
درس حسن الرفاعي القانون في الجامعة اليسوعية في لبنان، ثم في جامعة دمشق، ليبدأ رحلته ويفتح باب مسيرته المهنية الطويلة فيما اختاره، المحاماة والعمل النيابي والوزاري، فكان صلباً خلوقاً جريئاً مستخدماً القانون كوسيلة للنهوض، ليكون "حارس الجمهورية" اللقب الذي استحقه بجدارة نادرة لا تتكرر.
دخل حسن الرفاعي الحياة النيابية العام 1968، في برلمان مضطرب، فكان نائباً يذكّر كل زملائه بأن الدستور ليس مجرد كلام مطبوع بل هو روح تحقق التوازن الوطني.
امتدت تجربته البرلمانية حتى العام 1992، في فترة خاض فيها لبنان أزمات كبرى، لكنه ظل ثابتاً في قناعاته، لم يستطع أحد التأثير عليه، فقد رفض الانصياع للتحالفات الطائفية أو الحسابات الشخصية، مشدداً على أن لبنانَ مدنياً هو السبيل الوحيد لصون وحماية البلاد.
قضى 102 عام من العمل الدؤوب، مسيرة لم تعصف بها الأزمات المتتالية على لبنان، تولى الرفاعي وزارة التصميم العام في عهد الرئيس سليمان فرنجية، وكان تحدياً جديداً لكنه استطاع إثبات قدرته على التنظيم والإدارة، هذا التصميم وهذه الإرادة ظهرت ملامحهما جليّة خلال محطات مفصلية، أبرزها اتفاق الطائف العام 1989، حيث أبدى اعتراضات واضحة على الصيغة التي جرى تمريرها.
كما حذّر حسن الرفاعي من مخاطر تعديل التوازنات الدستورية السريعة، وكان ما قاله من أهم ما وُصف في تلك الحقبة، حيث وصف إدخال مفهوم "الميثاقية" غير المحدد دستورياً بأنه أحد أكبر أبواب التعطيل السياسي التي أنهكت المؤسسات.
أما في العام 1982، ولأسلوبه وجرأته، كان هدفاً لمحاولة اغتيال، إلا أن ذلك لم يُهن من عزيمته، بل كان أكثر إلحاحاً على مواجهة ثقافة العنف والفوضى، مصرّاً على أن السلاح لا يحمي لبنان بل الدستور هو من يصونه ويحميه، وعلى امتداد مسيرته، ظل مرجعًا للأجيال السياسية والقانونية، يلجأ إليه الجميع لتفسير النصوص، وحسم الخلافات حولها.
وفي العام 2023، جمع الرفاعي تاريخه كله في كتاب "حارس الجمهورية"، بمساعدة نجله المحامي حسان الرفاعي، والإعلاميين أحمد عياش، وجوزف باسيل.
هذا الكتاب دوّن تاريخاً ممتداً ومتجذراً، ولم يكن مجرد سيرة شخصية، بل شهادة سياسية ودستورية شاملة، صاغ فيها رؤيته لمسار لبنان الحديث، وقد تحول الكتاب إلى مرجع بحثي وفكري للأكاديميين والسياسيين، وأعاد طرح أسئلة عميقة حول إمكانيات إصلاح النظام السياسي دون المساس بجوهر العقد الوطني.
وبرحيله، أسدل لبنان الستارة على شخصية لن تتكرر، عرّت حقيقة السياسيين في لبنان، فقد كان مقتنعاً بأن السياسيين هم من زرعوا الفيروس الطائفي في جسد الوطن لمصالحهم الضيقة، رحل الجسد، في 3 سبتمبر، لكن روحه الوطنية لن تُمحى من ذاكرة الوطن.
وبغيابه، يخسر لبنان "حارس الجمهورية"، لكن الجمهورية باقية في صدى صوته الدستوري وبالقانون لا المحاصصة، وبالإرادة الوطنية الجامعة لا بالانقسامات.