logo
العالم العربي

إسرائيل تقايض لبنان.."النفط البحري" مقابل سلاح "حزب الله"

حشود من الجيش اللبناني

فجرت إسرائيل، قنبلة موقوتة، وسط سعي لبنان لضبط حدوده البحرية مع قبرص وسوريا، بإعلانها رفض اتفاق الحدود البحرية المبرم بين البلدين في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وسعيها إلى تغيير مضمونه بما يتماشى مع المصالح الإسرائيلية.

ورأى خبراء ومحللون، في حديثهم لـ "إرم نيوز"، أن التهديد الإسرائيلي هو جزء من مقايضة تريد تل أبيب فرضها على بيروت، عنوانها "النفط البحري مقابل سلاح ميليشيا حزب الله".

وشهد "الكنيست" الإسرائيلي، مؤخرًا، جلسة مغلقة عاصفة جمعت نوابه بوزير الدفاع يسرائيل كاتس الذي أعلن عن نقطتين في غاية الأهمية، الأولى تحديد آخر العام الجاري كحدّ زمني نهائي لنزع سلاح "حزب الله" من طرف الحكومة اللبنانية، والثانية اعتباره أن اتفاق تقسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان يحتاج إلى مراجعات حقيقية.

ونقل الإعلام العبري عن كاتس قوله "إن تل أبيب ستعيد النظر بشأن اتفاق الحدود البحرية مع الدولة اللبنانية"، واصفًا الاتفاق بأنه "يتضمن نقاط ضعف عديدة وقضايا إشكالية".

وربط كاتس، بشكل واضح، بين مُراجعة تل أبيب لبنود الاتفاق وبين نزع سلاح ميليشيا "حزب الله"، بقوله إنه في حال لم يسلم "حزب الله" سلاحه بحلول نهاية العام، فلا مفر من عملية جديدة في لبنان.

وأضاف كاتس: "الولايات المتحدة الأمريكية ألزمت حزب الله بتسليم السلاح، حتى نهاية العام، ولا أرى أن هذا الأمر سيحدث. لبنان لن ينعم بالهدوء والاستقرار مالم يتحقق أمن إسرائيل".

ضغوط على الطرفين

حيال هذا المشهد التصعيدي، تؤكد عدة قراءات إسرائيلية أن تل أبيب تسلط ضغوطاً حقيقية على الحكومة اللبنانية لتسريع خطواتها نحو تنفيذ التزاماتها والتي أوردتها في قرار 5 فبراير/ شباط بحصر السلاح في يد الدولة اللبنانية، وبالتالي فهي تزيد من الضغوط السياسية على ميليشيا "حزب الله".

وتضيف التقديرات الإسرائيلية أن تلويح كاتس بالانسحاب من اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، يعتبر ورقة رابحة جدًا في سياق الضغط على الحكومة اللبنانية التي تسعى جاهدة حاليًا إلى ضبط حدودها البحرية مع قبرص وسوريا، لاستغلال الموارد الطاقية في مجالها البحري.

ووقّعت قبرص ولبنان أول أمس الأربعاء، اتفاقية تاريخية لترسيم حدودهما البحرية، في خطوة وصفها مسؤولون من الجانبين بأنها "تاريخية" وذات أهمية استراتيجية بالغة.

واتفق الزعيمان على دراسة جدوى الربط الكهربائي، وناقشا توسيع التعاون في مجالات الطاقة والاتصالات والسياحة.

وفي السياق نفسه، كشفت مصادر لبنانية مطلعة أنّ الجهد الحكومي الحالي منصب على تعيين وضبط الحدود البحرية مع سوريا – بعد قبرص- لتحديد المجالات البحرية التي بالإمكان التنقيب فيها على النفط واستغلالها أيضاً في توليد الكهرباء.

ورقة إسرائيلية مهمة 

ويبدو أن إسرائيل التي تعاين لبنان عن كثب، تدرك تمام الإدراك أنّ مراجعة الاتفاق البحري سيخلط أوراق الحكومة اللبنانية بشكل راديكالي في مستويين اثنين على الأقل، الأوّل بعثرة معايير ومحددات الاتفاق الجديد مع قبرص حيث إنه بني على مقتضيات تقسيم الحدود البحرية في 2022، والثاني مزيد استنزاف الاقتصاد اللبناني من حيث التلويح بالسيطرة الإسرائيلية على حقل "قانا" النّفطي.

وتشير التحليلات الإسرائيلية إلى أنّ التهديد الإسرائيلي يهدف أساسا إلى وضع الحكومة وجها لوجه مع ميليشيا "حزب الله"، وتقوية موقفها بضرورة حصر السلاح ضمن منظومتها العسكرية والأمنية، حيث يصير "نزع السلاح" شرطا لعدم ضرب الاقتصاد اللبناني والاستفادة من عائدات حقل "قانا".

ويهدف التهديد – بغض النظر عن مدى جديته- إلى حشر ميليشيا "حزب الله" في الزاوية، وبيان أنّ سلاحها صار عبئًا حقيقيًا على الدولة وعلى اقتصادها وعلى أمنها وحتى على علاقتها مع الجوار، حيث يتعذر ترسيم الحدود البحرية مع قبرص وسوريا والعمل بمقتضى الاتفاقيات الموقعة، دون تعيين نهائي للحدود البحرية الجنوبية مع إسرائيل.

وينص الاتفاق الذي تم بوساطة أمريكية مكثفة بقيادة المبعوث عاموس هوكشتاين في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، على أن حقل (كاريش) النفطي يقع بالكامل داخل الحدود البحرية الإسرائيلية، ويمكن لإسرائيل أن تنقب بشكل حر فيه، في حين أن حقل (قانا) يقع في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان.

ومن حق لبنان التنقيب والتطوير في كامل الحقل على أن تقوم شركة التشغيل الدولية بدفع تعويضات مالية لإسرائيل عن أي إنتاج يتم استخراجه في الجزء الواقع جنوب الخط الحدودي المعياري المعروف بـ 23، الأمر الذي يحول دون أي تواصل مباشر بين الطرفين.

إسرائيل الجديدة واتفاق جديد

وتعتبر مصادر إسرائيلية مطلعة أن تلويح كاتس يعبر عن عدّة متغيرات، أولها أن إسرائيل قبل حرب 2023 ليست ذاتها بعدها، وبالتالي فالاتفاق الذي وُقّع بأياد مرتعشة خشية استهداف ميليشيات "حزب الله" لحقول النفط الإسرائيلية، لم يعد يتلاءم مع الواقع العسكري القائم حالياً، لا سيما بعد نجاح تل أبيب في تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط وتغيير ملامحه بشكل شبه كامل. 

وتضيف أن التصريح يعبر عن رغبة إسرائيلية في ملاءمة السيطرة البرية والجوية مع مثيلتها البحرية، فلئن كانت إسرائيل تسيطر بشكل شبه كامل على المجال الجوي اللبناني، ولئن كانت تحتفظ بوجود بري في 5 تلال لبنانية وتحافظ على حقوق الحركة في جنوب نهر الليطاني (تمتد توغلاتها ما بين 5 إلى 10 كيلومترات)، فلماذا تبقى الحدود البحرية رهينة توازنات تجاوزها السياق العسكري والأمني في المنطقة. 

ويبدو أنّ إسرائيل تريد من وراء هذه التصريحات إطلاق "بالون اختبار" في المشهد اللبناني، فإن وجدت تحركاً رسمياً نحو نزع سلاح الميليشيا انكفأت عن الخطوة، خاصة أنها جاءت بضمانات أمريكية، وفي حال لم تجد تجاوبًا لبنانيًا سارعت إلى إعلان الانسحاب من الاتفاق وإلحاق القرار بمستلزماته العسكرية، بموافقة أمريكية. 

أخبار ذات علاقة

واشنطن حددت المدة النهائية.. ماذا لو لم يسلم حزب الله سلاحه؟

لبنان يترقب "ساعة الصفر".. ماذا لو لم يسلم حزب الله سلاحه؟ (فيديو إرم)

أبعاد تصريح كاتس

وفي السياق نفسه، يرى خبراء ومتابعون للشأن الإسرائيلي أنّ تهديد يسرائيل كاتس، يتحمل قراءة صلب المشهد الإسرائيلي الداخليّ.

حيث إن التصريح جاء في الكنيست خلال مناقشة ميزانية وزارة الدفاع، وهي ميزانية تثيرُ جدلًا إسرائيليًّا كبيرًا لا فقط بين المعارضة والائتلاف الحاكم بل صلب الائتلاف الحاكم ذاته، حيث سبق وأنْ أعلن بتسلئيل سيموترتش وزير المالية وإيتمار بن غفير وزير الأمن القومي عن رفضهما للموازنة المتضخمة لوزارة الدفاع لسنة 2026.

ويبدو أنّ كاتس يريد من خلال إعلان المخاطر القادمة والحروب الآتية، شرعنة الإنفاق الحكومي الكبير على المجهود الحربي، خاصة وأنه يذهب إلى الإنفاق على قوات الاحتياط وعلى التعويضات المجزية للجرحى والقتلى وعلى صفقات السلاح المتطورة التي أثبتت نجاعتها في الحروب مع ميليشيا "حزب الله". 

الملمح الثاني للتصريح الإسرائيلي يكمن في تصعيد الخلاف القائم بين حكومة نتنياهو بشكل عامّ ووزارة الدّفاع بشكل خاص من جهة، وبين رئاسة أركان الجيش إيال زمير من جهة ثانية، حيث يُتهم الأخير بالتمرد على أوامر الوزارة وبالاستفراد بالقرار وبعدم احترام التراتبية، ليكون تصريح كاتس بمثابة إعادة التأكيد والتشديد على أنّ قرار الحرب والسلم في يد السلطة التنفيذية وأنّ على الجيش – وعلى رأسها زمير- الالتزام بهذه القرارات بشكل حرفيّ.

أما الملمح الثالث، فهو اقتصادي صرف، حيث من الواضح أنّ إسرائيل التي تُعاني من عجز مالي كبير، ومن فرق كبير بين الموازنة المرصودة وبين المتطلبات المالية المطروحة (حوالي 31 مليار دولار) باتت تبحث عن موارد جديدة، بعيدا عن الدعم الأمريكي المفتوح والتعويل شبه الكلي على اقتصاد "الهاي تك"، وبالتالي فإن الأعين الإسرائيلية تحدق على حقول النفط في البحر (حقل قانا) وفي البر أيضا وهو ما يفسر إصرارها على الوصول إلى حقول النفط في الجولان السوري.

أخبار ذات علاقة

مقر الخارجية الفرنسية

باريس تطالب إسرائيل بالانسحاب من الجولان واحترام وحدة سوريا

في المحصلة، من الواضح أن الكرة الآن في ملعب الحكومة اللبنانية والتي بإمكانها تأخير الجولة الجديدة من الحرب عليها، من خلال تنفيذ التزاماتها الواردة في قرارها الصادر في شباط من السنة الجارية، لا سيما وأنه حدد نهاية العام كأجل أقصى لحصر السلاح في يد الدولة اللبنانية.

وتؤكد المصادر السياسية والعسكرية اللبنانية صعوبة اتخاذ هذه الخطوة، لعدة اعتبارات وحسابات، فالحكومة تخشى كثيراً من وصفة حرب أهلية تبدأ من نقطة المكاسرة المفتوحة بين الميليشيات المسلحة والجيش.

وتدرك إسرائيل هذه النقطة، ويبدو أن الاجتماع المصغر للكابينت الذي عقد أمس، برئاسة بنيامين نتنياهو ناقش هذا الأمر ملياً، حيث أبدى خشيته من تعاظم قوة "حزب الله"، مرجعاً سكونه وسكوته ورضوخه الحاليين إلى جهد داخلي محموم لإعادة التسليح وترميم الثغرات وبناء منظومة تصنيع محلي. 

وبناء عليه، يبدو أن المنطقة متجهة لمزيد من التّصعيد بين ميليشيا حزب الله وإسرائيل من جهة، ولمزيد من المناكفة بين حزب الله والحكومة، هل سيؤدي هذا الاحتقان إلى حرب مفتوحة، من المرجح، ولكن قبل ذلك يبدو أنه علينا الانتظار إلى نهاية السنة. 
 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC