تواجه الجمعيات الوطنية في تونس مصيرا غامضا، عقب إعلان سلطات البلاد تعليق نشاط 266 جمعية من بين 272 منذ أيام، وهو ما فجر جدلا واسعا حول مآل هذه الجمعيات التي يرى البعض أنها لعبت دورًا حاسمًا في مرحلة الانتقال السياسي وكذلك في المجال الاجتماعي بعد ثورة 14 يناير2011.
وشهدت تونس بعد ثورة 2011 تزايدا لافتا في عدد الجمعيات، حيث بلغ عددها حتى 2023، أكثر من 24 ألف جمعية، بينما كشفت أوساط قضائية تونسية أن جزءا كبيرا منها يعتمد على تمويلات أجنبية.
وأثار تسريب حول تنقيح القانون المتعلق بتنظيم الجمعيات جدلا واسعا بين أوساط النشطاء ومكونات المجتمع المدني ممن يخشون حرمانهم من التمويل الأجنبي، قبل أن يعلن الرئيس قيس سعيد، صراحة، وضع حدّ لهذه الظاهرة وحل كل جمعية يشتبه في حصولها على المال الأجنبي.
ويتضمن المرسوم 88 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات في تونس، حرية تأسيس الجمعيات والانضمام إليها والنشاط في إطارها وتدعيم دور منظمات المجتمع المدني وتطويرها والحفاظ على استقلاليتها.
وتحدّث الرئيس سعيد خلال اجتماعه بعدد من الوزراء، عن جمعية تونسية في الخارج تتلقّى آلاف الدّولارات كل سنة وتحوّل هذه الأموال لتمويل الأحزاب السياسيّة في تونس.
وقال سعيد: "هناك جمعية تلقّت عام 2022 أكثر من مليوني دينار (700ألف دولار) ومن ثمّ يتحدثون عن المجتمع المدني، لكن الوقت قد حان لبعض الخبراء والمفكرين أن يعيدوا النظر في هذه المفاهيم".
ويرى مراقبون أن تنقيح المرسوم 88 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات سيضيّق على عمل المجتمع المدني في تونس وعلى مدى انخراطه في مختلف المجالات، في حين يرى آخرون أن الجمعيات امتداد لأحزاب سياسية وغطاء لقوى أجنبية تتدخل في الشأن الداخلي لتونس.
واعتبر أمين غالي رئيس مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية والناشط بالمجتمع المدني أن عمل المجتمع المدني في تونس لا يعوّض دور الدولة، لكنه نجح على مدى سنوات في الوصول إلى الفئات الهشّة وفرَضَ نفسه كشريك داعم لهذه الفئات من خلال المدّ التضامني ووضع برامج تنموية وثقافية وصحية لفائدتها، إلى جانب توفير مواطن شغل لقرابة 40 ألف شخص.
ورأى غالي في تصريح لـ"إرم نيوز" أن محاولة تغيير المرسوم 88 المنظم لعمل الجمعيات، بعد حلّ البرلمان والاستحواذ على القضاء وتغييب النشطاء السياسيين، ضربة أخرى للديمقراطية والتعددية في تونس التي لم يبق فيها إلا الإعلام والجمعيات.
مقابل ذلك، يرى الباحث السياسي، محمد بريك الحمروني أن تونس بدأت باسترجاع سيادتها الوطنية عبر مراحل، بعد 25 يوليو2021، معتبرا أن قرار تنقيح مرسوم الجمعيّات بمثابة قطع للطريق أمام القوى الأجنبية التي تعمل في تونس تحت غطاء المجتمع المدني.
واعتبر "الحمروني" أن المجتمع المدني يأخذ التعليمات من الدول الغربية على شكل دورات تدريبية، ووصل به الحدّ إلى القيام بدراسات حول الجغرافيا السياسية في البلاد، وإرسال تقارير فورية إلى الجهات المموّلة، مشيرا إلى أن "هناك جمعيات أحدثت فوضى كبيرة في البلاد وتشكل خطرا على السيادة الوطنية".
ودعا الحمروني إلى كتابة المرسوم 88 بطريقة جديدة تنص على وجود مجتمع مدني تونسي يعتمد على تمويل وطني وليس على تمويلات جهات غربية تعمل على اختراق البلاد.
من جهته، تحدث الصحفي بسام حمدي عن سعي السلطات التونسية إلى تقليص حجم التمويلات الأجنبية التي تتلقاها الجمعيات الخاصة لا سيما وأن تحقيقات لجنة التحاليل المالية التابعة للبنك المركزي أثبتت تلقي الكثير من الجمعيات أموالا طائلة لكن لم يتم صرف هذه الأموال في أنشطتها المعهودة.
واعتبر أن تونس تحاول إيقاف ما يسمى استغلال الجمعيات لصالح أحزاب سياسية ولوبيات تهريب المال، مؤكدا في السياق ذاته بأن "تعديل قانون الجمعيات ضروري، لكن لا بدّ أن يُمكِّن من تواجد مجتمع مدني فاعل وقادر على تقديم المساعدة في المجَالَيْن الاجتماعي والسياسي".
وأكد على ضرورة أن تكون الدولة على علم بالتمويلات التي تتلقّاها الجمعيات شرط أن لا يتم تضييق الخناق عليها، وذلك من خلال وضع سقف لهذه التمويلات ليصبح هناك حد أقصى لا يتجاوز قيمة مالية معيّنة، لكن لا يجب على الدولة منع العمل المدني والحقوقي والجمعياتي في تونس باعتباره ركيزة من ركائز العمل السياسي وداعما للديمقراطية.