كشفت تصريحات رسمية من واشنطن وأنقرة، ومصادر تركية مطلعة، أن تشكيل قوة سلام في قطاع غزة دون مشاركة عسكرية تركية كما تريد إسرائيل، يعرقل الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة السلام، التي يرعاها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وتشغل المشاركة التركية في قوة السلام الدولية المزمع إنشاؤها، الداخل التركي على المستويات الرسمية والشعبية والإعلامية لاعتبارات سياسية وتاريخية، والحال ذاته في إسرائيل، التي ترفض حتى الآن وجود قوة عسكرية تركية في غزة.
وبدا الرئيس ترامب وقد حسم القضية عندما أعلن من البيت الأبيض، مؤخرًا، أن تشكيل مجلس السلام، الذي سيضم قادة وملوكاً ورؤساء حكومات، بقيادته، سيكون مطلع العام المقبل، ما يعني فعلياً الانتقال للمرحلة الثانية من خطة السلام.
كما كشف موقع "أكسيوس" الأمريكي، أن ترامب يعتزم تعيين جنرال أمريكي لقيادة قوة السلام الدولية في غزة (ISF)، في خطوة لم يُعلن عنها سابقاً، منذ إعلان توقف إطلاق النار على غزة، في الـ10 من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ضمن خطة السلام الأمريكية.
وجاء الدافع الأكبر لرغبة واشنطن في مشاركة الأتراك، عسكرياً، عبر السفير الأمريكي في أنقرة والمبعوث الخاص لسوريا، توم باراك، الذي قال: "أعتقد أنها (تركيا) يمكن أن تساعد، لديها قدرات في مواجهة حماس".
وأضاف باراك في تصريحات لوسائل إعلام إسرائيلية: "ليس لدى تركيا سياسة عدوانية تجاه إسرائيل، وآخر ما يفكرون فيه هو عودة الإمبراطورية العثمانية"، مبينًا أن القوات التركية يمكن أن تساعد في تهدئة الوضع في قطاع غزة، وأن مشاركتها يمكن أن تكون بدايةً لمسار تطبيع بين إسرائيل وتركيا.
وينظر لوجود قوة عسكرية تركية، في غزة، على أنه ضمانة لتحقيق جزء غامض في خطة ترامب، ويتعلق بنزع سلاح حركة حماس وإنهاء أي دور لها في إدارة غزة، إذ لم يتضح لمن ستسلم الحركة سلاحها، والمدى الزمني لذلك التسليم.
وقال الكاتب التركي، سليمان أوغون، إنه من غير المُرجح أن ينجح ترامب في خطته للسلام في غزة، دون مشاركة تركيا، معتبرًا أن تلك المشاركة، نقطة صعبة في الخطة.
وأضاف في مقال، بصحيفة "يني شفق"، المقربة من الحكومة، يوم الخميس، "يبدو أن الولايات المتحدة عالقة بين براغماتية ترامب، التي تسمح له بالمرونة الكافية للتخلي عن كل شيء دفعة واحدة، والجمود الذي يتبناه البنتاغون/القيادة المركزية الأمريكية، والمتمحور حول إسرائيل".
وأشار الكاتب أوغون إلى أن انتصار البنتاغون، في فرض الشرط الإسرائيلي الذي يستبعد تركيا من قوة السلام، سيجعل مهمة تركيا بالغة الصعوبة.
وأعلنت تركيا عدة مرات، عن استعدادها لإرسال وحدة عسكرية ضمن قوات السلام التي ستعمل في غزة، وأنها تنتظر أن تقنع واشنطن، حليفتها إسرائيل بجدوى تلك المشاركة التركية.
وقال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في خطاب داخل البرلمان وتصريحات أدلى بها مؤخرًا، أن بلاده مستعدة للمشاركة بقوة عسكرية في غزة ضمن قوة السلام الدولية، ولعب دور ضامن في العملية.
وذكرت مصادر تركية مطلعة، لـ "إرم نيوز"، قبل يومين، أن وزارة الدفاع أدرجت غزة ضمن خطط التدريب والاستعداد، التي تنفذها قوات المهام الخارجية بتخصصاتها المتعددة، والتي تعمل في عدة دول، بينها سوريا وليبيا وكوسوفو.
وأكدت وسائل إعلام تركية مقربة من الحكومة، تجهيز تلك القوة، لكن لم يتضح عددها، ولم تعلن وزارة الدفاع التركية عنها بشكل رسمي، وما إذا كانت إسرائيل ستقبل في نهاية الأمر بوجود آلاف الضباط والجنود الأتراك في قطاع غزة.
وتخشى إسرائيل من الوجود التركي في غزة، لاسيما مع تطور صناعتها العسكرية وامتلاكها لأصناف متقدمة من المسيرات التي مكنت حلفائها في أذربيجان وسوريا بتحقيق انتصارات عسكرية ساحقة، وتسعى تل أبيب إلى إقناع واشنطن باستبعاد تركيا من مهمة القوة الدولية.
وكشفت تحليلات سياسية وعسكرية في الصحافة الإسرائيلية، نشرتها وسائل إعلام تركية أيضاً للتدليل على قلق تل أبيب من مشاركة أنقرة، أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ما يزيد الوضع تعقيداً بالنسبة لإسرائيل.
وتخشى إسرائيل من أن العلاقة الوثيقة والتحالف، الذي يريد ترامب توسيعه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد يجبرها على القبول بالمشاركة العسكرية التركية، التي تم ربطها بقدرة أنقرة على إقناع حماس بالتخلي عن السلاح.
وتزامن تصاعد الرفض الإسرائيلي للمشاركة التركية، مع تصريحات جديدة من قادة حركة حماس، يرفضون فيها تخلي الحركة عن السلاح بشكل كلي في الوضع الراهن الذي لم تتوقف فيه الهجمات الإسرائيلية بشكل كلي، وأنهم مع فكرة تخزين تلك الأسلحة.
وبدت أنقرة وحماس تنسقان من الآن حول تلك الفقرة من الاتفاق، ما يضع القوة العسكرية التركية في علاقة مباشرة مع مقاتلي حماس، وضمان تحقيق شرط إسرائيل بالتخلي الكامل عن السلاح إذا أتيح للأتراك التواجد في القطاع.
وتريد دول أخرى تربط مشاركتها في قوة السلام، مشاركة تركيا لضمان التزام حماس بالاتفاق، بالنظر لعلاقتهما الوثيقة، وصعوبة شن حماس لهجمات تحرج حليفتها الضامنة أنقرة.
وتتضمن خطة السلام، وقف إطلاق النار وتبادل أسرى ونزع سلاح حماس، وإنشاء سلطة انتقالية فلسطينية من التكنوقراط ونشر قوة سلام متعددة الجنسيات وإعادة الإعمار.
لكن على الأرض، لا تزال إسرائيل تحتل أكثر من نصف أراضي غزة، ومن المقرر أن تنسحب منها تدريجياً لصالح قوات حفظ السلام الدولية التي ستتشكل، في مسار غير محدد المدة أيضاً.
وقال معهد التفكير الإستراتيجي التركي، في تحليل للمرحلة الحالية من خطة السلام، إن الدول العربية والإسلامية ترفض إرسال قوات ما لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن كيفية ووقت نزع سلاح حماس.