
رجح مراقبون في الشأن السياسي والأمني تمديد مهمة قوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في كل من العراق وسوريا.
وتستند ترجيحات المراقبين إلى سقوط نظام بشار الأسد على أيدي فصائل المعارضة السورية على اختلاف ولاءاتها، وسط مخاوف من عودة تنظيم "داعش" إلى الواجهة مجددًا، إضافة إلى رغبة أمريكا في الاستمرار بمحاصرة إيران، والحد من نفوذها داخل العراق، بعد فقدانها لوكلائها في لبنان وسوريا.
وكان تنظيم "داعش" قد أعدم أكثر من 54 جنديًا في الجيش السوري قرب منطقة السخنة في بادية حمص، كانوا قد فروا من الخدمة أثناء انهيار نظام الأسد.
وفي هذا الصدد، قال القيادي في تحالف "العزم"، عثمان الزوبعي، إن "انهيار نظام الأسد في سوريا يشكل مفترق طرق في تغيير موازين القوى العسكرية في المنطقة، خصوصًا على الساحة العراقية، مع سيطرة المعارضة المسلحة على غالبية المناطق الحدودية مع البلاد".
وأضاف الزوبعي، لـ"إرم نيوز"، أن "العراق كان بحاجة ماسة للدعم الأمريكي العسكري بعد عام 2014، والذي أفضى إلى تشكيل التحالف الدولي الذي أسهم بشكل فاعل في القضاء على تنظيم داعش".
وبين أنه "مع انتهاء التنظيم في العراق، دفعت قوات التحالف التنظيم للابتعاد عن الحدود العراقية السورية إلى الداخل السوري".
وتوقع الزوبعي أن "تعيد الولايات المتحدة الأمريكية تقييم موقفها تجاه الانسحاب من العراق وسوريا، وتمديد بقائها لأربعة أعوام مقبلة على أقل تقدير".
وتنشر الولايات المتحدة نحو 2500 جندي في العراق، إضافة إلى 900 في سوريا، في إطار التحالف الذي تشكل في سبتمبر/أيلول عام 2014 لمحاربة تنظيم داعش، بعد اجتياحه مساحات شاسعة في كلا البلدين، وتمكن من طرد التنظيم من العراق.
ولا يعد سقوط الأسد العامل الوحيد الذي يحدد قرار أمريكا بالبقاء أو الانسحاب من العراق، فالوضع سيكون معقدًا، وستتدخل عوامل متعددة لتشكيل إستراتيجية واشنطن الجديدة في المنطقة، بحسب الكاتب والمحلل السياسي الكردي، فرهاد راوندوزي.
وقال راوندوزي، لـ"إرم نيوز"، إن "المتغيرات الجديدة في المنطقة تشير إلى أن الإدارة الأمريكية ستعيد النظر بسحب قواتها من العراق وسوريا، وترسم إستراتيجية جديدة لتلك القوات".
وأوضح أن ذلك سيتم "عبر زيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال مايكل كوريلا، إلى القواعد الأمريكية في سوريا، ثم التوجه إلى بغداد للقاء رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني".
وأضاف راوندوزي أن "كوريلا حمل رسالة من الإدارة الأمريكية إلى السوداني، مفادها التزام التحالف الدولي في دعم العراق لحفظ أمنه وسيادته ضد أي تهديد إرهابي، ما يحمل في طياته رغبة أمريكية بإعادة تقييم تواجد قواتها على الأرض العراقية".
وبحسب بيان لمكتب رئيس الوزراء العراقي، استقبل السوداني، أمس الثلاثاء، قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا، لبحث التعاون والتنسيق بين العراق والتحالف الدولي في مكافحة الإرهاب ومواجهة التطرف.
وأكد السوداني أن "العراق عضو أساسي في هذا التحالف، وهو ملتزم بالتعاون مع التحالف الدولي للتصدي ومتابعة الجماعات الإرهابية، بما يحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة".
من جهته، يرى الخبير الإستراتيجي، إحسان الدعمي، بأن الإدارة الأمريكية لا يمكنها التخلي عن العراق بهذه السهولة، إذ ستتبع مصالحها الإستراتيجية في المنطقة، لافتًا إلى أن العراق يشكل نقطة محورية لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بالنفط ومواجهة النفوذ الإيراني.
وأكد الدعمي، لـ"إرم نيوز"، أن "أي تغييرات جذرية في سوريا، مثل سقوط الأسد، قد تؤدي إلى تحولات كبيرة في ديناميكيات المنطقة، بما في ذلك احتمالية زيادة التوترات الطائفية، أو بروز جماعات متطرفة جديدة، مما قد يدفع الولايات المتحدة للإبقاء على وجودها العسكري".
ويبدو أن الانسحاب من عدمه، لا يتعلق بالواقع العراقي والسوري فحسب، بل بـ"أمن إسرائيل، حيث إن سقوط الأسد قد يؤثر على توازن القوى في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالتهديدات لإسرائيل، وهو عامل محوري في الحسابات الأمريكية".
وفي هذا السياق، أوضح الدعمي أن "القرارات الأمريكية تتأثر بالسياسات الداخلية، فإذا وافقت إدارة الرئيس الحالي جو بايدن على الانسحاب من المنطقة، فإن إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، لديها حسابات أخرى، تتعلق بأمن إسرائيل التي تدعمه بشكل كبير".
وبحسب جل التقديرات للخبراء الأمنيين، فإن انسحاب التحالف الدولي سيؤثر حتمًا على الوضع الأمني في العراق، لكن درجة التأثير تعتمد على كيفية إدارة العراق لهذا الانتقال، ومدى استعداد قواته الأمنية، والدعم الذي قد تحصل عليه من شركاء آخرين.
وتعليقًا على ذلك، قال العميد المتقاعد، مؤيد الجابري، إن "التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، يلعب دورًا مهمًا في تقديم الدعم الاستخباري، والتدريب، والضربات الجوية ضد تنظيم داعش، والجماعات الإرهابية الأخرى، وانسحاب قوات التحالف قد يضعف قدرة القوات العراقية على مواجهة هذه التهديدات".
وأضاف الجابري، لـ"إرم نيوز"، أن "الانسحاب الآن مع التطورات السورية قد يؤدي إلى عودة ظهور التنظيمات الإرهابية في بعض المناطق، خاصة في المحافظات التي ما زالت تعاني من هشاشة أمنية، مثل ديالى وصلاح الدين".
وتوقع أن "تطلب الحكومة العراقية من الإدارة الأمريكية تمديد فترة بقاء قواتها في العراق، لحين استقرار الأوضاع في سوريا، وأن ذلك سيعتمد على التقييمات العسكرية للقادة الأمنيين".