نشب خلاف جديد بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، عبد الحميد الدبيبة، ورئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، بسبب تعيين رئيس جديد لجهاز الشرطة القضائية، في أول اختبار فعلي لبنود الاتفاق الأمني الأخير في العاصمة طرابلس، المبرم بوساطة تركية ومشاركة جهاز قوة الردع الخاصة.
ويتمحور الخلاف حول صلاحيات التعيين، إذ ينص الاتفاق المبدئي - وفقًا لمصادر مطلعة تحدثت لـ"إرم نيوز" - على أن مهمة تكليف رئيس جهاز الشرطة القضائية تعود لرئيس المجلس الرئاسي، لكن الدبيبة أصدر قرارًا منفردًا بتعيين اللواء عبد الفتاح أبو القاسم سالم دبوب، خلفًا للواء أسامة نجيم؛ ما اعتُبر خرقًا مباشرًا للاتفاق.
وفي المقابل، كان مكتب المنفي أعلن قبل ساعات عن التوافق على تعيين اللواء عطية الفاخري في المنصب ذاته، في إطار تنفيذ بنود الاتفاق الأمني، الذي لم تُنشر تفاصيله رسميًّا بعد، لكنه يتضمن خطوات لإعادة تنظيم عدد من المؤسسات الأمنية والعسكرية، أبرزها السيطرة على مطار معيتيقة وتأمين العاصمة.
وأكد المنفي أن تعيين الفاخري يأتي استكمالًا للاتفاق الأمني الذي أفضى إلى تسلّم مطار معيتيقة، مشيرًا إلى أن تعيين مسؤولي أمن المطارات الأخرى سيتم بالتشاور بين رئيس الأركان ورئيسي المجلس الرئاسي والحكومة، بحسب آلية تم التوافق عليها ضمن الاتفاق.
المنصب الأمني الحساس كان موضع تجاذب حاد خلال الأشهر الماضية بين الدبيبة وجهاز الردع، بعد تمسك الأخير ببقاء رئيسه السابق، اللواء أسامة نجيم، رغم كونه مطلوبًا للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلق بارتكاب انتهاكات جسيمة.
وكانت السلطات الإيطالية ألقت القبض على نجيم سابقًا، لكنها أفرجت عنه لاحقًا، ليعود ويشغل مناصب رفيعة في طرابلس، وسط مطالبات محلية ودولية بتسليمه إلى العدالة.
ويعتبر جهاز الردع من أبرز القوى المسلحة في ليبيا، ويتمتع بسيطرة واسعة على شرق طرابلس، ومطار معيتيقة، فضلًا عن عدد من السجون ومراكز الاحتجاز. وقد توصّل الدبيبة إلى اتفاق مبدئي مع الجهاز يوم السبت الماضي، في محاولة لاحتواء التوترات الأمنية المتصاعدة بالعاصمة.
ويتضمن الاتفاق الأمني بضع خطوات، أبرزها: إعادة تبعية مطار معيتيقة إلى وزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية، وتشكيل إدارة موحدة للمطارات الأربعة الواقعة غربي ليبيا، وتحديد قائمة المطلوبين دوليًّا من قبل النائب العام الليبي، وإحالة المطلوبين إلى العدالة، حتى وإن كانوا يشغلون مناصب سيادية أو أمنية حساسة.
ويُنظر إلى هذا الاتفاق على أنه محاولة لإعادة فرض الانضباط داخل المؤسسات الأمنية، وتقليص نفوذ بعض الشخصيات والكيانات المثيرة للجدل، وفي مقدمتها أسامة نجيم، في ظل ضغوط دولية متزايدة على الحكومة الليبية للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية.
غير أن الخلاف الذي تفجّر مؤخرًا حول منصب رئيس الشرطة القضائية يهدد بنسف التفاهمات الهشة التي تم التوصل إليها، ويكشف هشاشة التنسيق بين الأطراف الليبية في تنفيذ حتى أبسط بنود الاتفاقات الأمنية؛ ما قد يعيد العاصمة مجددًا إلى مربع التوتر والصراع على النفوذ.