شكّل إقليم دارفور هدفًا دائمًا للجيش السوداني خلال الصراع الحالي، وكان شاهدًا على جرائم مروّعة، إذ استُهدفت أسواقه في ضربات جوية انتقامية، أثارت غضبًا دوليًّا واسعًا، وكانت سببًا في تشديد العقوبات على قيادات الجيش، خصوصًا أن الاستهداف لم يقتصر على السكان في طابع عرقي واضح، بل امتد إلى مقوّمات الحياة، وأبرزها مصادر المياه.
دارفور.. الإقليم الأهم
يمثّل إقليم دارفور أهمية جيوسياسية كبيرة، خصوصًا في موقعه غرب السودان، إذ يعد أحد أكبر الأقاليم في البلاد من جهة المساحة والتنوع السكاني، يحده من الغرب دولة تشاد، ومن الشمال دولة ليبيا، ومن الجنوب جمهورية أفريقيا الوسطى.
أما من الناحية الجيولوجية، فيُتنبأ بوجود مخزون هائل من البترول في المنطقة، إضافة إلى غنى دارفور بالمعادن الثمينة، مثل: الذهب واليورانيوم الذي يوجد بكميات كبيرة، وهو ما يفسّر الاستهداف المحموم للجيش لهذا الإقليم.
ومع تبدل خريطة مناطق السيطرة خلال سنوات الحرب الثلاث، سعى الجيش السوداني إلى إعادة تقديم الحرب بشكل مغلوط على أنها صراع بين دارفور والشمال، حيث تتمركز قوات الجيش في معسكرات تشهد تعبِئة تعتمد على الأسس العرقية والمناطقية، وتبث خطاب الكراهية والإقصاء ضد جميع المكونات الإثنية والعرقية في إقليم دارفور.
تلقى الجيش السوداني في مارس/ آذار الماضي ضربة قوية في دارفور، عندما استحوذت قوات "الدعم السريع" على مدينة المالحة في شمال الإقليم، التي تُعتبر مركزًا لوجستيًّا للقوة المشتركة للميليشيات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني، ما عُدّ مكسبًا إستراتيجيًّا كبيرًا، فتلك النقطة الجغرافية كانت تزوّد تلك الميليشيات بالأسلحة والمقاتلين المرتزقة.
ردّ الجيش بمجازر وحشية منفذًا عشرات الغارات التي أوقعت مئات القتلى، ففي غارة واحدة على سوق في "كبكابية"، قتل نحو 100 مدني، كما شنت غارة مماثلة على سوق في "طره" شمالي الإقليم؛ ما أدى إلى اشتعال النيران في السوق وتفحّم الجثث التي قُدّرت بـ "المئات".
إبادة جماعية
وقوبلت المجازر باستنكار دولي وحقوقي مع اعتبار أنها تشكل انتهاكًا صارخًا لقواعد القانون الدولي الإنساني، وتعد حربًا ممنهجة، بالتزامن مع الكشف عن أدلة على وقوع إبادة جماعية في منطقة دارفور الغربية، حيث يقول السكان إنهم استُهدفوا من قبل مقاتلين على أساس عرقي.
ولم تقتصر مجازر الجيش السوداني على الاستهداف من الجو، إذ عمدت ميليشيات تابعة له على استخدام تكتيكات الأرض المحروقة التي روعت العالم قبل عقدين من الزمن، فأحرق المقاتلون آلاف المنازل وأجبروا عشرات الآلاف على الفرار، كما وثقت صور ومقاطع فيديو في بداية العام 2025 مشاهد مروعة لانتهاكات الجيش وميليشياته والتي ستكون دليل إدانة في محاكمات على الجرائم المرتكبة في الإقليم الذي لم يعرف سوى المعاناة على مدار عقود.
