يعود التوتر بين إسرائيل وسوريا إلى الواجهة مجددا في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي وسط تصاعد الضربات الجوية والتصريحات العدائية، مما يطرح تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا التصعيد.
فمنذ عقود، سعت إسرائيل إلى إبقاء سوريا في حالة ضعف دائم، سواء عسكريًا أو اقتصاديًا، لكن التطورات الأخيرة تشير إلى أن التصعيد الحالي قد يرتبط بقرارات الإدارة السورية الأخيرة، لا سيما ما يتعلق بإطلاق سراح معتقلين من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وهو ما تعتبره تل أبيب تجاوزا لخطوطها الحمراء.
وتتباين آراء الخبراء حول الموقف الإسرائيلي الأخير من الإدارة السورية، حيث يرى البعض أن تل أبيب تسعى منذ عقود لإضعاف دمشق وتقويض وحدتها وسيادتها.
ويعتقد آخرون أن التطورات الأخيرة، بما في ذلك قرارات القيادة السورية، قد تكون السبب المباشر للتصعيد الإسرائيلي.
ويؤكد محللون أن إسرائيل تعمل بشكل منهجي على إبقاء سوريا ضعيفة عسكرياً واقتصادياً، بهدف منعها من اتخاذ قرارات مستقلة تعزز قوتها الإقليمية، ويرون أن الهدف الإسرائيلي الأعمق ليس مجرد مواجهة تهديدات أمنية، بل الدفع باتجاه تقسيم سوريا ومنعها من لعب أي دور مؤثر في المنطقة.
في المقابل، يشير آخرون إلى أن موقف إسرائيل الأخير يرتبط بقرارات الإدارة السورية الحالية، خصوصاً ما يتعلق بإطلاق سراح عناصر فلسطينية منتمية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، ويعتبرون أن هذا التطور تجاوز للخطوط الحمراء الإسرائيلية، مما قد يؤدي إلى تصعيد عسكري جديد.
وفي ظل هذه التطورات، تبقى سوريا أمام سيناريوهات معقدة قد تعيدها إلى دائرة الاستهداف الإسرائيلي بشكل متكرر.
في هذا السياق، أكد المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، تحسين الحلبي، أن الهدف الرئيسي لإسرائيل في سوريا هو إبقاؤها في حالة ضعف دائم، سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية أو في وحدتها الداخلية، لضمان عدم امتلاكها القدرة على الاستقلال التام في قراراتها ومواقفها.
وأوضح الحلبي لـ "إرم نيوز" أن هذا المخطط الإسرائيلي ينبع من إدراك تل أبيب بأنها محاطة بشعوب عربية تسعى بطبيعتها إلى تعزيز قوتها، وهو ما تعتبره إسرائيل تهديداً استراتيجياً لا يقل خطورة عن مسألة بقائها من عدمه.
وأشار إلى أن إسرائيل لا تكتفي بالحفاظ على حدودها الحالية، بل تتطلع إلى التوسع الإقليمي، مما يجعل تقسيم سوريا هدفاً استراتيجياً لها.
ولفت إلى أن استمرار تل أبيب في العمل على إضعاف سوريا ليس مجرد سياسة مؤقتة، بل هو نهج ثابت لضمان تفتيت البلاد ومنعها من استعادة قوتها.
وأضاف أن إسرائيل، عبر سياساتها طويلة الأمد، تدرك أن الشعوب العربية تمتلك مقومات التطور والقدرة على تحقيق الاستقلال، وهو ما تحاول إحباطه باستمرار، مستشهداً بتصريح ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، عام 1949، الذي قال فيه: "إذا أردنا أن نضمن بقاء إسرائيل وهجرة اليهود المستمرة إليها، فيجب ألا نسمح بوجود جوار موحد يقف ضد إسرائيل".
من جهته، كشف مصدر سوري متخصص في الشؤون العسكرية، رفض الكشف عن هويته، أن التصعيد الإسرائيلي الأخير تجاه القيادة السورية، وتحديداً تجاه الرئيس أحمد الشرع، يأتي في سياق قرار الأخير بالإفراج عن معتقلين من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وهو ما اعتبرته تل أبيب تجاوزاً خطيراً قد يغير معادلة النفوذ في المنطقة.
وأوضح المصدر في حديثه لـ "إرم نيوز" أن إسرائيل تنظر إلى هذا القرار باعتباره تهديداً مباشراً، خاصة مع ورود معلومات تفيد بانخراط بعض هؤلاء المفرج عنهم في تنظيمات مسلحة قد تشكل خطرًا أمنيًا مستقبليًا.
وأضاف أن هذه التطورات لن تمر دون رد إسرائيلي، متوقعاً أن تشهد سوريا تصعيداً عسكرياً جديداً، شبيهاً بالغارات السابقة التي استهدفت المقاتلين الأجانب على أراضيها، مشدداً على أن المشهد السوري بات أكثر تعقيداً، رغم محاولات الإدارة الجديدة تفادي أي مواجهة مباشرة مع دول الجوار.
وأشار إلى أن الوقت بدأ ينفد أمام دمشق، وأن الأوضاع قد تتجه نحو تصعيد غير مسبوق، خصوصاً أن إسرائيل لا تنظر إلى عملية الإفراج عن السجناء الفلسطينيين باعتبارها إجراءً داخلياً، بل كتحرك استراتيجي قد يستدعي ردود فعل أكثر عنفًا خلال الفترة المقبلة.