رأى خبراء أن الدعوة غير المباشرة التي أطلقها وليد جنبلاط لانضمام الدروز إلى الدولة السورية الجديدة تمثل محاولة جريئة لرأب الصدع العميق بين الطائفة الدرزية والنظام السوري في ظل تصاعد التوترات الأخيرة في مناطق صحنايا وجرمانا.
ويأتي هذا الطرح في وقت بالغ الحساسية، بعد أن شهدت هذه المناطق اشتباكات دامية وتدخلات خارجية، أبرزها المخاوف من المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تفتيت وحدة الطائفة.
ويرى الخبراء أن تحرك جنبلاط يعكس إدراكاً لمخاطر العزلة السياسية والدينية، ومحاولة لإعادة تموضع الدروز ضمن مشروع وطني جامع، في مواجهة مشاريع التقسيم والتهجير.
في هذا السياق، أكد المستشار الإعلامي لشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، الشيخ عامر زين الدين، أن المساعي المكثفة التي جرت، أمس، نجحت في تطويق التوترات التي بدأت في صحنايا، وأشرفية صحنايا، وجرمانا، وكادت أن تمتد إلى لبنان، مشيراً إلى أن العديد من الخطوات على الأرض رافقت هذه التطورات، من أبرزها قطع طرقات في أكثر من مدينة وقرية، لا سيما الطريق الدولي بين لبنان وسوريا في منطقة عاليه.
وأوضح في حديثه لـ "إرم نيوز" أن الاتصالات التي أجراها شيخ العقل، سامي أبي المنى، مع مفتي الجمهورية العربية السورية الشيخ أسامة الرفاعي، ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، كانت ذات أثر كبير في تهدئة الأوضاع، حيث ساهمت في تبديد الهواجس التي ظهرت، خاصة أن التواصل مع الشيخ الرفاعي أثمر عن صدور فتوى تحرّم الدم السوري.
وبيّن أن اجتماعاً عاجلاً عُقد في دارة الموحدين الدروز للهيئة العامة للمجلس المذهبي، شارك فيه شيخ العقل والأستاذ وليد جنبلاط، أكدا خلاله أن مصلحة الدروز لا تكمن في الانخراط، بأي شكل، في المخططات الإسرائيلية، وأعلنا رفضهما للخطوات التي تتخذها إسرائيل تجاه الدروز في سوريا، لا سيما الزيارتين الأخيرتين إلى إسرائيل.
وشدد على أن دروز لبنان، والقيادتين السياسية والروحية، يعتبرون المخططات الإسرائيلية خطرة ومؤذية ومكلفة للغاية، خاصة في ظل الحديث عن تهجير درزي من مناطق دمشق وريفها، في وقت يتصاعد فيه القلق على دروز إسرائيل ولو بعد حين أيضاً، بعد إقرار "القانون القومي" من قبل الدولة اليهودية، الذي تجاهل وجود المسلمين والدروز والسنة والمسيحيين، مما يُثير مخاوف من تهجير مماثل للدروز داخل إسرائيل.
وأضاف أن جنبلاط وشيخ العقل شدّدا على أن الدروز، رغم ما شهدوه من اهتزازات في علاقتهم بالنظام السوري البائد، ينظرون اليوم، خاصة في لبنان وجزء كبير من دروز سوريا، إلى ضرورة قيام دولة سورية موحدة تشمل جميع مكونات الشعب، يكون للدروز فيها دور محوري إلى جانب سائر المكونات في بناء الدولة وجيشها الوطني.
وأشار إلى أن هذا التوجه يشكل الأساس الذي تنطلق منه المواقف الدرزية في لبنان، حيث يعتبر الدروز أنفسهم ومن بمذهبهم الإسلامي والدين الحنيف ركائز العروبة في المنطقة، وقد شاركوا في الدفاع عن أرضهم ضد المشاريع الاستعمارية، والانتداب، منذ الفتح الإسلامي وحتى اليوم.
وختم بتأكيده أن الرؤية الدرزية تدعو إلى قيام دولة سورية عادلة وعلى قدر من المساواة، تحتضن جميع مكوناتها دون تمييز، لافتاً إلى أن دعوات الدروز في لبنان تصب دائماً في هذا الاتجاه، ورفضهم القاطع للمخططات الإسرائيلية.
وأشار إلى أن "ما يجري في جرمانا وأشرفية صحنايا خير دليل على تلك الهواجس، مشدداً على أن هذه الأعمال مدبرة، بما فيها ما يُنشر على وسائل التواصل من فيديوهات مفبركة، لتأجيج الفتنة، مؤكداً أن دروز لبنان يرفضون أن يكونوا أداة في يد إسرائيل، أو أن يتحولوا إلى حرس حدود لها".
من جانبه، أكد المحلل السياسي وجدي العريضي أن الاشتباكات التي شهدتها مناطق جرمانا، وصحنايا، والأشرفية، كانت دموية ومعقدة للغاية، وأسفرت عن سقوط ضحايا من الجانبين، مشيراً إلى أن التعاطي مع هذه الأحداث لا يزال يدور في فلك المشاورات الهادئة، والحكمة الدبلوماسية.
وأوضح في حديثه لـ "إرم نيوز" أن اتصالات تُجرى بعيداً عن الإعلام وعلى أعلى المستويات، يقودها تحديداً الزعيم وليد جنبلاط مع جهات عربية وخليجية ودولية، في محاولة لاحتواء التوتر، ورأب الصدع بين الطائفة الدرزية والنظام السوري برئاسة أحمد الشرع.
وأضاف أن اللقاء الموسّع الذي عُقد في دارة الطائفة الدرزية في فردان ببيروت يشكل محطة مفصلية، لا سيما بعد البيان الصادر عنه، متزامناً مع دعوة الدولة السورية للفصل بين المقاتلين وفتح تحقيق شفاف فيما جرى.
وأشار إلى أن تعقيد الموقف يتزايد بسبب دخول إسرائيل على خط الأزمة، في تكرار لمشهد مشابه أيام الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982، حين غذّت تل أبيب الفتنة بين الدروز والمسيحيين، محذراً من التصريحات الإسرائيلية حول نية التدخل إذا تعرّض الدروز لأي اعتداء.
ولفت إلى أن نجاح جنبلاط في رأب الصدع ليس مستحيلاً، لكنه مرهون بتشاور واسع مع كافة مشايخ الطائفة، خاصة الهيئة الروحية في لبنان، واحترام موقع دروز فلسطين، وعدم المساس بمكانة الشيخ موفق طريف كممثل للهيئة الروحية هناك، شأنه شأن الشيخ سامي أبي المنى في لبنان، ونظرائه في سوريا.
وختم العريضي بالإشارة إلى أن الاتصالات لا تزال مستمرة دون نتائج حاسمة حتى الآن، رغم أن الاشتباكات تراجعت ميدانياً، لكنها قابلة للتجدد، ما يلقي بثقل كبير على جهود المرجعيات الروحية والسياسية، التي تبذل مساعي جدّية لاحتواء الوضع.