يستعد العراق لإجراء أول تعداد سكاني شامل منذ 27 عامًا، إذ من المقرر أن تبدأ العملية في 20 من الشهر الجاري، وسط تساؤلات حول ما إذا كان المشروع الجديد سيحقق المكاسب المرجوة منه، أم سيكون بوابة نحو أزمات أخرى.
يهدف التعداد إلى جمع بيانات دقيقة حول السكان والمنازل، ما سيسهم في تحسين الخطط التنموية وتحديد المحافظات والمناطق الأشد فقرًا، بهدف تحسين توزيع الموارد، وذلك بعد تأجيلات متكررة منذ عام 2003 بسبب تحديات سياسية وأمنية.
وصرح المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، بأن "عمليات الحصر والترقيم انتهت في كل أنحاء العراق، بعد تقسيم الأقضية والنواحي وفق خريطة محددة لهذا الغرض".
وأوضح الهنداوي لـ"إرم نيوز" أن "120 ألف باحث ميداني سيشاركون في تنفيذ هذا التعداد، بهدف إنشاء قاعدة بيانات متكاملة بشكل إلكتروني".
وأضاف المسؤول العراقي أن "التعداد سيمثل تحولاً مهمًا في العمليات التنموية وآلية توزيع الثروات بين المدن وتحديد المتطلبات الخاصة بحل المشكلات التي يعاني منها المجتمع".
وفي إطار التحضيرات، قررت الحكومة العراقية تعطيل الدوام الرسمي يومي الأربعاء والخميس المقبلين، ليستفيد موظفو القطاع الحكومي من عطلة تمتد لأربعة أيام.
كما ستحظر السلطات الأمنية التجوال بشكل تام في جميع المناطق، مع غلق المنشآت الرسمية وإعلان الإنذار، لتأمين العملية وفسح المجال أمام الباحثين للوصول إلى المناطق المنوطة بهم.
وستتم العملية بشكل إلكتروني، عبر ملء استمارة متعددة الجوانب في "تابلت" تتضمن أسئلة عن السكن وعدد أفراد الأسرة والعمل والصحة والتعليم ومستوى الدخل، فضلاً عن جرد الممتلكات وغيرها.
وتعول أوساط اقتصادية على هذا التعداد في دفع عجلة التنمية نحو الأمام، خاصة وأن العراق يفتقر إلى قواعد بيانات إحصائية أو أرقام تتعلق بالأزمات، وهو ما فاقم معاناة المواطنين وخلق حالة من الضبابية لدى المسؤولين عند وضع خطط لحل هذه المشكلات.
أثار مشروع التعداد السكاني قلقًا لدى الأكراد في إقليم كردستان من أن يضفي طابعًا قانونيًا على التغيرات الديموغرافية التي طرأت في المناطق المتنازع عليها، خاصة بعد سيطرة القوات الاتحادية عليها عام 2017.
وقالت حكومة إقليم كردستان في بيان إن "التعداد السكاني يجب أن يُجرى لأغراض تنموية فقط، وألا يُستخدم لأغراض سياسية أو يؤثر سلبًا على تنفيذ المادة 140 من الدستور وحسم قضية المناطق المتنازع عليها".
ورفضت حكومة كردستان أن يكون هذا التعداد بديلاً عن الإجراءات التي نص عليها الدستور العراقي لحل معضلة المناطق المتنازع عليها، حيث أقر الدستور ضرورة إجراء تعداد سكاني أيضًا.
يختلف التعداد الحالي عن سابقيه في كونه لا يحتوي على حقلي القومية والمذهب وينص فقط على الديانة، وهو ما أثار حفيظة بعض القوميات الأخرى مثل الأكراد والتركمان.
وقال عضو جمعية الثقافة التركمانية أحمد بيشار، إن "التعداد السكاني يجب أن يحفظ حقوق القوميات ومختلف الطوائف، وأن يكون عامل استقرار جديدا للبلاد، لا منطلقًا لخلافات جديدة قد تولد أزمات أخرى".
ويرى بيشار خلال حديثه لـ"إرم نيوز" أن "القوميات في العراق ترغب بإدراج حقل (القومية) في الاستمارة لمعرفة حجمها وثقلها في البلد، خاصة وأن هذا الحجم تترتب عليه الكثير من الحقوق، مثل التعيينات للأفراد والمناصب للقوى السياسية الممثلة لها".
وفي مسعى لتبديد هذه المخاوف، قرر مجلس الوزراء العراقي تنفيذ التعداد في المناطق المتنازع عليها بواسطة فريق مشترك من العرب والأكراد والتركمان، مع إضافة فرد من الديانة المسيحية للفريق في المناطق ذات الغالبية المسيحية.