logo
العالم العربي
خاص

حقل ألغام طائفي وسياسي.. صراعات تهدد توافقات اللعبة السياسية في العراق

السوداني يحضر تجمعا انتخابيا لائتلاف إعادة الإعمار والتنمية

قالت مصادر عراقية إن اجتماعين مغلقين عُقدا في بغداد بعد ساعات من إعلان النتائج الأولية، ضمّا قيادات من الإطار التنسيقي، شهدا نقاشاً حاداً حول "حدود تفويض" محمد شياع السوداني، الفائز الأكبر في انتخابات 2025، في التفاوض مع السنة والأكراد، وحول ما إذا كان سيُمنح ضوءا أخضر كاملا لتشكيل حكومة جديدة، أم سيُعاد تقييده باتفاقات شبيهة بتلك التي جاءت به إلى السلطة عام 2022. 

أخبار ذات علاقة

المبعوث الأمريكي الخاص إلى العراق، مارك سافايا

مبعوث ترامب مهنئًا السوداني: ملتزمون بقوة في دعم العراق وسيادته

وكشف مصدر سياسي مطلع لـ "إرم نيوز"، تحفّظ على ذكر اسمه، أن نوري المالكي، زعيم ائتلاف "دولة القانون" وحلفاؤه، يدفع باتجاه معادلة تقوم على الإقرار بتصدر السوداني انتخابيا، مقابل تثبيت "شراكة ملزِمة" في توزيع الوزارات السيادية (الداخلية، المالية، النفط) ومفاصل الأجهزة الأمنية والاقتصادية.

وأشار المصدر، إلى أن بعض القوى الشيعية تلوّح بخيار "كتلة شيعية بديلة" إذا شعرت بأن السوداني يذهب بعيدا في التفاهم مع السنّة والأكراد على حساب أجنحتها، لكن هذه التهديدات تُستخدم حالياً كأوراق ضغط تفاوضية أكثر من كونها سيناريو جدّيا، على حد قوله.

السوداني يتصدر.. ولا يحسم

تُظهِر النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية العراقية أن ائتلاف "الإعمار والتنمية" بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، خرج بالفعل متصدرا المشهد بصفته الكتلة الأكبر شيعيا، بعدما حصد أكثر من 1.3 مليون صوت، وتقديرات تمنحه نحو 50 مقعدا قابلة للارتفاع مع استكمال الفرز والطعون، ضمن برلمان يضم 329 نائباً. 

لكن هذه الصدارة لا تعني طريقا سالكا نحو ولاية ثانية؛ إذ تفرض خريطة التحالفات المتوقعة وموازين القوى داخل "الإطار التنسيقي" ومع القوى السنية والكردية، معادلة شديدة التعقيد، في ظل نظام محاصصة طائفية وحزبية تحاول كل كتلة من خلاله تثبيت حصتها أو توسيعها.

ووفق بيانات مفوضية الانتخابات، بلغت نسبة المشاركة 56.11% من المسجلين، فيما تشير تقديرات باحثين إلى أن المشاركة الفعلية من مجموع من يحق لهم التصويت (نحو 30 مليونا) لا تتجاوز 40–41%؛ ما يعكس استمرار فجوة الثقة بين الشارع والطبقة السياسية، رغم تقدم السوداني في أصواته وموقعه. 

وتبين النتائج الأولية أن ائتلاف الإعمار والتنمية يتصدر الكتل الشيعية، في مواجهة كتل تقليدية أبرزها ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، الذي تشير المعطيات إلى حصوله على نحو 30 مقعدا، إلى جانب قوى "الفتح" و"بدر" وقوائم قريبة من الفصائل المسلحة. 

السنّة والأكراد… كفة مرجحة في سوق المساومات

على الضفة السنية، تُظهِر النتائج تقدم حزب "تقدم" بزعامة محمد الحلبوسي مع نحو 30–40 مقعدا، يليه تحالف "العزم" بزعامة مثنى السامرائي بنحو 14 مقعدا، إلى جانب قوى أصغر في نينوى والأنبار وكركوك. 

وعلم "إرم نيوز" من مصدر سياسي أن الحلبوسي يطرح نفسه شريكا رئيسا للسوداني في ولاية ثانية، لكنه في المقابل يسعى إلى استعادة رئاسة مجلس النواب، والحصول على سلة أوسع من الوزارات الخدمية والاقتصادية في المحافظات السنية، مع ضمانات تتعلق بملفات الإعمار وإعادة النازحين وملف المعتقلين. 

أخبار ذات علاقة

محمد شياع السوداني خلال الانتخابات

بعد هيمنة تحالف السوداني.. خريطة القوى الفائزة في انتخابات العراق

أما تحالف "العزم"، فيحاول التموضع كبيضة قبان بين السوداني وخصومه الشيعة، عبر الإيحاء باستعداده للذهاب إلى المعارضة أو إلى تحالف موازٍ إذا لم تُلبّ مطالبه، وفقا للمصدر ذاته.

وفي الإقليم الكردي، تفيد النتائج الأولية بتقدم الحزب الديمقراطي الكردستاني (KDP) بأكثر من 30 مقعدا، يليه الاتحاد الوطني الكردستاني (PUK) بنحو 17 مقعدا؛ ما يعيد إنتاج الثنائية الكردية التقليدية مع أفضلية واضحة للديمقراطي. 

المصادر التي تحدّث إليها "إرم نيوز" تؤكد أن العنوان الأول في مفاوضات الأكراد لن يكون فقط رئاسة الجمهورية، التي يتمسك بها الاتحاد الوطني وفق العرف السياسي منذ 2005، بل أيضا، حصة الإقليم في الموازنة الاتحادية، قانون النفط والغاز، وترتيبات كركوك والمناطق المتنازع عليها.

وبحسب هذه المصادر، أبدى مسعود بارزاني مبدئيا استعدادا للتعامل مع السوداني كخيار مفضل لرئاسة الحكومة، شريطة أن يحصل الديمقراطي على مكاسب أوضح في ملفات النفط والبيشمركة، وهو ما قد يضع السوداني بين ضغط شيعي داخلي وضغط كردي من الشمال في آن واحد.

محاصصة 2025… هل تعيد إنتاج أزمة "الانسداد السياسي"؟

تؤكد تقارير مراكز دراسات دولية أن انتخابات 2025 لم تغيّر جوهر النموذج العراقي القائم على المحاصصة الطائفية – الحزبية بقدر ما أعادت ترتيب الأوزان داخل هذا النموذج، مع غياب التيار الصدري عن السباق واستمرار سيطرة القوى التقليدية على قواعدها الجغرافية والطائفية. 

في هذا السياق، تُجمع تقديرات المصادر التي تحدّث إليها "إرم نيوز" من بغداد على السيناريو الآتي: حكومة توافقية برئاسة السوداني تبدو الاحتمال الأرجح، لكن تشكيلها قد يمر بجولات طويلة من المساومات على الحقائب السيادية والأمنية، مع احتمال ولادة حكومة "مكبّلة" بتوازنات داخلية حادة تضيق هامش المناورة أمام رئيس الوزراء.

المصادر تشير إلى أن التحول الأهم هذه المرة هو انتقال جزء من التوتر من الشارع إلى داخل غرف التفاوض؛ فمع العزوف الشعبي وغياب تهديد احتجاجات شبيهة بـ"تشرين"، باتت النخب أكثر اطمئناناً إلى أن صراعها على الحصص يمكن أن يُدار خلف الأبواب المغلقة، حتى لو طال أمد تشكيل الحكومة شهورا. 

في المقابل، يحذر باحثون من أن استمرار منطق "لا فائز مطلقا ولا خاسر نهائيا" قد يقود إلى إعادة تدوير الأزمة نفسها؛ كتلة أكبر لا تستطيع الحكم وحدها، وقوى تقليدية تفرض فيتو على أي تغيير جوهري في بنية النظام، ونظام محاصصة يضمن حضور الجميع في السلطة، لكنه لا يضمن فاعلية الحكومة ولا استقرار السياسات. 

أخبار ذات علاقة

السوداني خلال إلقاء الكلمة بعد تصدر الانتخابات

السوداني يكشف ملامح المرحلة المقبلة بعد تصدره انتخابات العراق

وفي حال نجح السوداني في انتزاع ولاية ثانية ضمن هذه التعقيدات، كما يقول أحد الخبراء العراقيين، فإن حكومته ستكون "حكومة ائتلاف فوق برميل بارود"، فهي مطلوبة من واشنطن لضبط الفصائل المقربة من إيران، ومطالَبة من طهران بالحفاظ على نفوذ حلفائها، ومحاسَبة من الشارع على الخدمات والوظائف والفساد، ومحاصَرة داخلياً بشركاء لا يريدون خروجه من عباءتهم تماما ولا سقوطه الذي قد يفتح الباب لفوضى جديدة.

وهكذا تُكرّس انتخابات 2025 معادلة عراقية قديمة – جديدة؛ النتائج تُفرَز في الصناديق، لكن الحكومات تُولد في غرف المحاصصة، وقد تتعثّر طويلا قبل أن ترى النور.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC