يرى خبراء أن لبنان يقف اليوم في قلب مشهد مضغوط تتداخل فيه السياسة بالأمن، والضغوط الخارجية بالواقع الداخلي، وسط تسارع تطورات تُنذر بمزيد من الانزلاق على الحدود الجنوبية.
وأضاف الخبراء في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن النقاش حول قدرة لبنان على فرض قواعد اشتباك جديدة أتى من تراكم معطيات أبرزها التزام بيروت باتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701، مقابل تصعيد إسرائيلي مستمر ورفض لأي مسار تفاوضي.
ويؤكد الخبراء أن الضغوط المتزايدة، تهدف إلى دفع لبنان نحو خيارات ضيقة بين الخضوع أو الانفجار، في حين يسعى لبنان إلى الصمود دبلوماسياً وأمنياً لمنع الانزلاق إلى مواجهة واسعة.
مبادرة لن تتحقق
وقال الكاتب والمحلل السياسي، غسان ريفي إن لبنان قدّم كل ما يمكن أن يقدم ضمن اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701، مشيراً إلى أن عاماً مرّ على وقف إطلاق النار الذي لم يُخرق من الجانب اللبناني ولا مرة، في حين أن إسرائيل تخرقه كل يوم.
وأضاف ريفي لـ "إرم نيوز" أن الجيش اللبناني وبشهادة الدول وبشهادة لجنة مراقبة وقف إطلاق النار "الميكانيزم" يقوم بعمل جبّار في جنوب الليطاني، مع استمرار قيام الدولة اللبنانية بدبلوماسيتها، وفي الوقت نفسه، قدّم رئيس الجمهورية مبادرة من 5 بنود توضح جهوزية الدولة لبسط سلطتها في جنوب الليطاني، وجهوزية الجيش للقيام بحصرية سلاح حزب الله والانتشار.
وأوضح ريفي أن رئيس الجمهورية وضع في مبادرته دور لجنة المكيانيزم للإشراف على العمل الميداني والتفاوض ودعم الجيش، لكنه ربط كل هذه البنود بوقف الاعتداءات الإسرائيلية إلى جانب انسحاب إسرائيل من لبنان.
وأشار إلى أنه مقابل المبادرة بدا واضحاً أن إسرائيل لا تريد التفاوض ولا وقف إطلاق النار، ولا تريد لجنة ميكانيزم، ولا تريد أي مبادرة لا لبنانية ولا عربية لأنها تريد من خلال الضغط بالنار أن تدفع لبنان إلى مفاوضات مباشرة.
فرض أمر واقع
وبيّن أن المفاوضات المباشرة التي تريدها إسرائيل تتعلق بإيقاف وقف إطلاق النار الموقع في 27 نوفمبر 2024، وإيجاد اتفاق إذعان واستسلام يوقعه لبنان تحت ضغط النار من أجل تشريع الاحتلال الإسرائيلي وتشريع المنطقة العازلة على الحدود الجنوبية لتأمين المستوطنات الشمالية، وربطها بالجنوب السوري.
ولفت إلى أنه بتحقيق تلك الشروط تكون إسرائيل قد وضعت حجر الأساس للانطلاق نحو خريطة "إسرائيل الكبرى" التي تحدث عنها نتنياهو.
وقال إن لبنان أمام بلد يريد التوسع، مقابل مواجهة بالدبلوماسية وبكل ما لديه من قوة من أجل الضغط على الدول للضغط بدورها على إسرائيل، لكن حتى الآن فشلت الدبلوماسية وفشلت كل الخطوات الإيجابية في دفع إسرائيل للتقدم خطوة إلى الأمام.
واختتم ريفي حديثه بالإشارة إلى أن على لبنان أن ينتظر أو أن يشتري بعض الوقت من أجل إيجاد تسوية في المنطقة سواء كانت أمريكية أو غيرها وتبدل الظروف في المنطقة من أجل انعكاس ذلك إيجاباً على لبنان وإلا سيبقى في حالة مراوحة إلى وقت غير معلوم.
خطة أمريكية إسرائيلية
ورأى الكاتب والمحلل السياسي سامي سماحة أن محاولة وضع لبنان بين خيار الخضوع وخيار الحرب والانفجار الداخلي، خطة أمريكية إسرائيلية تهدف إلى التمهيد لقضم الجنوب والهيمنة الكاملة عليه، في وقت لا يملك لبنان سوى خيار فرض قواعد تمنعه من الانزلاق إلى حالة من الحالتين.
وأضاف سماحة لـ "إرم نيوز" أن إسرائيل ومعها الولايات المتحدة تحاولان الضغط على لبنان بكل الوسائل للوصول به إلى دولة عاجزة وشعب ضعيف غير قادر على المقاومة مما يسهل لهما مهمة الاحتلال والهيمنة.
وأوضح أنه لا يمكن إنكار أن لبنان يتعرض لضغوط كبيرة داخلية وخارجية وأخطرها الاعتداءات اليومية التي ترتفع وتيرتها إلى أن وصلت إلى اغتيال الطبطبائي، ولكن حتى اللحظة لم يستطع التهويل والضغط وارتفاع وتيرة الاغتيالات التأثير على مسار خطة الجيش اللبناني وموقف رئيس الجمهورية الذي يصر على ضرورة الانسحاب من الجنوب، ثم يبدأ الحديث عن السلاح والاستراتيجية الدفاعية.
وذكر سماحة أن لبنان يصر على تنفيذ القرار 1701 وهذه ورقة حقوقية معترف بها من قبل الأمم المتحدة واللجنة الخماسية وجميع الأطراف المعنية، بالتالي، فإن الانزلاق ممنوع لأنه لا مصلحة لأي طرف من الأطراف اللبنانية فيه لذلك هم محكومون بالحفاظ على أمن البلد مهما اشتدت الأزمة.
واختتم سماحة حديثه بالإشارة إلى أن الغاية البعيدة لإسرائيل هي الوصول إلى تفجير لبنان من الداخل أما الغاية البعيدة للبنان فهي الحفاظ على السلم الأهلي، فمهما ارتفع الضغط سيبقى الوضع على حاله إلا إذا صدقت بعض التحليلات التي تتحدث عن حرب بوقت واحد على لبنان وإيران واليمن، وهذا أمر صعب إن لم يكن مستحيلاً.