تواجه حركة حماس، بعد 38 عاما على انطلاقتها، أزمة وجودية في ظل واقع سياسي وأمني لا يخدم مصالحها، بعد الحرب في قطاع غزة التي بدأت بعد الهجوم الذي نفذته في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وتسببت هذه الحرب التي امتدت لتشمل دول أضلاع ما يسمى بـ"محور المقاومة" الذي تقوده إيران وكانت الحركة جزءا منه، في مقتل غالبية قادتها السياسيين والعسكرييين، بمن فيهم رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية وخلفه يحيى السنوار. كما تسببت الحركة في اغتيال أبرز قادتها العسكريين، بمن فيهم قائد الجناح العسكري لحماس محمد الضيف، ونائبه مروان عيسى.
وفرضت الحرب على الحركة واقعا أمنيا وسياسيا صعبا، إذ باتت أهم استحقاقات مرحلة إعادة الحياة إلى قطاع غزة بعد الحرب مرتبطة بخروجها من المشهد السياسي، في حين أصبح قادة الحركة ومصادر تمويلها أهدافا ملحة لإسرائيل.
وقال المحلل السياسي أحمد عوض إن "حركة حماس تمر اليوم بنقاش داخلي عميق حول مستقبلها، سواء على مستوى سلاحها أو شكل وجودها السياسي".
وأضاف عوض لـ"إرم نيوز": "هناك جدل داخل مؤسسات الحركة، سواء في الداخل أو الخارج، بشأن مصير السلاح بين خيارات التخزين أو التجميد أو حتى التسليم، وسط تباين في وجهات النظر بين المستويين السياسي والعسكري". وأوضح أن الحركة، بعد 38 عاما على تأسيسها، تقف أمام ثلاثة سيناريوهات محتملة:
الأول يتمثل في الإبقاء على مواقفها الحالية وسلاحها كما هو؛ وهو ما قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية جديدة مع إسرائيل، التي هددت بنزع السلاح بالقوة في حال رفضت حركة حماس ذلك.
أما السيناريو الثاني، فهو التوصل إلى تسوية تقضي بتخزين السلاح أو تسليمه لطرف موثوق، مقابل ضمانات أمنية وسياسية تضمن بقاء الحركة في المشهد، خاصة داخل قطاع غزة.
وبحسب المحلل، فإن السيناريو الثالث هو حل وسط بين السيناريوهين، يتمثل في تسليم جزء من السلاح، وتحديدًا النوع الهجومي أو الصاروخي، مع الاحتفاظ بالسلاح الخفيف، وتحوّل الحركة إلى حزب سياسي ضمن منظمة التحرير الفلسطينية؛ وهو ما يتطلب مصالحة فلسطينية داخلية.
وقال، إن "أي سيناريو ستسلكه حركة حماس سيعتمد على طبيعة الضمانات المقدمة لها ومدى استعداد الأطراف الإقليمية والدولية لتوفير بيئة تتيح لها البقاء ضمن المعادلة السياسية."
وأشار عوض إلى احتمال رابع يتمثل في عدم انخراط حركة حماس في أي إطار سياسي رسمي، بل العودة للعمل السري والاختفاء تحت الأرض وهو خيار وصفه بـ"الصعب جدًا" في ظل الواقع الحالي.
ولم يستبعد المحلل السياسي، أن تشهد الحركة انشقاقات داخلية خاصة بعد تداعيات ما جرى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مشيرا إلى وجود جدل داخلي بين تياراتها المختلفة، قد يؤدي إلى تباين في المواقف أو حتى تصدعات تنظيمية في ظل الضغوط الميدانية والسياسية التي تواجهها.
وشدد عوض على أن "أخطر ما تمر به الحركة حاليا هو سعيها لحماية نفسها فقط، أي محاولة النجاة برأسها"، موضحًا أن "حركة حماس باتت تخشى فعلياً من سيناريوهات البطش أو التصفية أو استهداف قياداتها وأسرها بعد عامين من الحرب".
وختم بالقول إن "مقترح تسليم أو تجميد السلاح مثل الذي طرحه رئيس الحركة في الخارج خالد مشعل، قد يكون مثارا لانقسامات داخل الحركة خاصة في ظل تعدد مواقعها وانتشارها في غزة والضفة والخارج".
وأشار عوض إلى أن "اتخاذ قرار مصيري من هذا النوع قد لا يُجمع عليه الجميع، وقد يؤدي إلى تباينات وخلافات تنظيمية نتيجة اختلاف الضغوط والتقديرات السياسية بين الأجنحة المختلفة".
من جانبه، قال المحلل السياسي علاء أبو سيف إن "حركة حماس تمر بأخطر أزماتها منذ انطلاقتها"، معتبرا أن الحركة باتت تعيش "عقدة بلا حل"، بعد أن أصبح مصيرها اليوم مرتبطا بالقرار الإسرائيلي.
وأضاف لـ"إرم نيوز"، أن "حكم حركة حماس في غزة مرهون بالإرادة الإسرائيلية، ومسألة بقائها في غرب القطاع ونزع سلاحها، جميعها تقررها إسرائيل".
وأشار إلى أن "الحركة بعد مرور 38 عاما على تأسيسها، تواجه تحديات صعبة في المفاضلة بين خيارات جميعها مُرّة"، مضيفًا: "إما أن تقبل ببعض ما يُعرض عليها للحفاظ على وجودها، أو ترفض وتخسر نفوذها، أو تحكم غرب غزة فقط، وهو ما ترتاح له إسرائيل إن بقيت الحركة محصورة في هذه البقعة".
وعن مقترح خالد مشعل بشأن تخزين السلاح، قال أبو سيف إنه "محاولة للالتفاف على الأزمة، بعد أن أحكمت إسرائيل قبضتها، وهو مسعى لترميم ما بقي من حضور الحركة".
وقال المحلل السياسي: "نحن أمام مأزق خطير، حركة حماس التي عرفت بأنها حركة مقاومة، تقف اليوم في مشهد هدنة خرقتها إسرائيل دون رد، بينما تتقدم إسرائيل باتجاه فرض واقع سياسي قائم على تقسيم غزة، ما بين شرق وغرب".
ويبين أبو سيف أن من "أبرز التحديات التي تواجه حركة حماس حاليا تآكل الحاضنة الشعبية وضعف الالتفاف الجماهيري حولها". وقال: "كيف ستُقنع حركة حماس الشعب الفلسطيني بأنها قادرة على الانتقال من مشروع المقاومة إلى مشروع الحزب السياسي؟"، مشيرا إلى أن الحركة فقدت ثقة جمهورها الذي منحها 74 مقعدا في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006.
وأضاف أبو سيف، أن "حركة حماس تعيش اليوم حالة من العزلة السياسية، ليس فقط مع الأطراف المعادية، بل حتى مع الدول الصديقة والداعمة سابقا".
وحول إمكانية حدوث انقسامات داخل الحركة، قال أبوسيف، إن "حماس كحركة تختلف عن غيرها، فجناحها العسكري لا يعمل بمعزل عن القرار السياسي، بل يتحرك وفق مساره، ومن ثم فإن أي مقترح مثل تخزين أو تجميد السلاح سيواجه تحديات داخلية وتباينات في الرؤى، لكنه لن يؤدي إلى تغيير جوهري في الهيكل العام للحركة".