رأى خبراء سياسيون فرنسيون أن الهجوم الحاد الذي شنه السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، على قرار فرنسا الاعتراف بالدولة الفلسطينية، يمثل تصعيدًا غير مسبوق يهدد التحالفات الغربية التقليدية.
وبحسب الخبراء، فإن القرار الفرنسي يكشف عن شقوق عميقة في الموقف الدولي من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وقالوا إن تصريح السفير هاكابي يعكس تحولًا خطيرًا في لغة واشنطن الدبلوماسية، ويمثل محاولة لإحراج باريس دوليًا ومنعها من لعب دور أكثر فاعلية في الشرق الأوسط.
يأتي ذلك في الوقت الذي تتجه فيه بريطانيا لاتخاذ خطوة مماثلة لفرنسا.
وفي مقابلة متلفزة مع قناة "فوكس نيوز"، قال السفير هاكابي، الحليف البارز للتيار الإنجيلي المحافظ، إن "فرنسا ترتكب خطأً تاريخيًا يشبه الوقوف إلى جانب قوى الظلام، وهي تمنح نصرًا للنازيين بعد الحرب العالمية الثانية".
وقوبل هذا التصريح الصادم باستهجان واسع داخل أوروبا، إذ وُصف بأنه "استفزازي" و"إهانة" للتاريخ الفرنسي.
وأضاف هاكابي أن هذا الاعتراف يمنح حركة حماس شعورًا بالنصر، ويقلل من فرص دخولها في أي تسوية سياسية.
كما هاجم السفير الأمريكي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، متهمًا إياه بالتقاعس عن استقبال النازحين من غزة، في وقت تعيش فيه المنطقة أسوأ أزماتها الإنسانية.
وجاءت تصريحات هاكابي في أعقاب مؤتمر دولي مشترك نظمته فرنسا والسعودية بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، بحضور 125 دولة، في محاولة لإعادة إحياء "حل الدولتين" كخيار دبلوماسي لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
وأعلنت باريس رسميًا نيتها الاعتراف بدولة فلسطين خلال كلمة الرئيس الفرنسي أمام الجمعية العامة في سبتمبر/ أيلول المقبل.
بدورها، أعلنت المملكة المتحدة عبر رئيس وزرائها كير ستارمر أنها ستعترف بالدولة الفلسطينية في التوقيت ذاته "إلا إذا اتخذت إسرائيل خطوات عملية لوقف الحرب في غزة وإدخال المساعدات الإنسانية".
وفي هذا السياق، قالت الباحثة الفرنسية في شؤون الشرق الأوسط بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، كامي لاكروا، إن خطاب هاكابي يعدّ تجاوزًا خطيرًا للأعراف الدبلوماسية، ويعكس انزلاقًا خطابيًا مقصودًا لتقويض الجهود الأوروبية، لا سيما الفرنسية، في الملف الفلسطيني.
واعتبرت لاكروا، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن فرنسا، وإن كانت تسعى إلى لعب دور مستقل، فقد تجد نفسها في مواجهة حملة منظمة من قبل لوبيات داعمة لإسرائيل في واشنطن، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية الأمريكية.
وأشارت إلى أن الاعتراف الفرنسي، رغم رمزيته، لا يكفي وحده لدفع عملية السلام، ما لم يُترجم إلى تحركات أوروبية منسقة على الأرض.
من جانبه، قال أستاذ العلاقات الدولية بالأكاديمية الدبلوماسية الفرنسية (ENA)، الدكتور أوليفييه مارشاند، إن التصريحات الأمريكية تعبّر عن استياء من محاولة فرنسا وبريطانيا ملء الفراغ الذي تركته إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن في إدارة الملف الفلسطيني.
ورأى مارشاند، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن هذا الاعتراف قد يساهم في إحداث "توازن رمزي" في الخطاب الدولي، لكنه يفتقر إلى أدوات التنفيذ الحقيقي، خاصة في ظل غياب تفاهم مع واشنطن.
ولفت إلى أن الطريق إلى دولة فلسطينية لا يمر فقط عبر المؤتمرات والاعترافات، بل عبر تفاوض مباشر برعاية دولية، تتضمن ضمانات أمنية واقتصادية لكلا الطرفين.
وأجمعت الدول المشاركة في المؤتمر الأممي على دعم مسار حل الدولتين، مؤكدين أنه "لا وجود لحل واقعي سوى إقامة دولة فلسطينية تعيش جنبًا إلى جنب مع إسرائيل".
ووقعت 15 دولة، من بينها السعودية ومصر وقطر، على "نداء نيويورك" الذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، ودخول غير مشروط للمساعدات، ونزع سلاح حركة حماس، وإطلاق سراح جميع الرهائن، والمضي في مسار تسوية شاملة.
ويعد هذا التوافق العربي غير المسبوق حول نزع سلاح حماس واشتراط عدم مشاركتها سياسيًا، تحولًا بارزًا في الموقف العربي التقليدي من الصراع.
وكشفت الحكومة البريطانية عن تنفيذ أولى عمليات الإنزال الجوي للمساعدات في غزة، محملة بنصف مليون جنيه من المواد الغذائية والدوائية.
وتأتي هذه الخطوة بالتنسيق مع فرنسا، ضمن جهد أوسع لإنشاء ممر إنساني مؤقت بإشراف أممي لإغاثة القطاع الفلسطيني.
