أثار الانسحاب الأمريكي من سوريا تساؤلات بشأن مدى استعداد العراق لمواجهة أي ارتدادات أمنية محتملة، في ظل اعتماده الكبير على الدعم الجوي والاستخباري الأمريكي.
وفي هذا الإطار، رفع الجيش العراقي، تأهبه وتحركاته لسد أي فجوات أمنية قد يستغلها تنظيم داعش عند الحدود مع سوريا.
وقال ضابط برتبة عقيد في قيادة عمليات نينوى: إن "أوامر صدرت خلال الأيام الماضية تقضي برفع مستوى الجهد الاستخباري على امتداد الشريط الحدودي مع سوريا، خصوصاً في محيط القائم وتل صفوك، تحسباً لأي تحرك مفاجئ لخلايا داعش أو محاولات تسلل من البادية السورية".
وأضاف الضابط، الذي طلب حجب اسمه، لـ"إرم نيوز" أن "المعطيات المتوفرة تشير إلى نشاط استخباري أمريكي غير مباشر مستمر في المنطقة، إلا أن التعليمات العراقية تركز حالياً على تعزيز الانتشار المحلي وسد الثغرات، بالتوازي مع تحركات استباقية داخل العمق الحدودي".
وتابع أن "تعزيزات جديدة وصلت مؤخراً إلى قواطع العمليات الغربية، شملت معدات مراقبة وأجهزة اتصال متطورة، لكنها ليست معدات قتالية تقليدية، بل أدوات لدعم الرصد الأمني ورفع كفاءة القوات المنتشرة في المناطق الرخوة".
وانسحبت القوات الأمريكية من ثلاث قواعد عسكرية في شمال شرق سوريا، بينها قاعدة حقل العمر، وهي أكبر القواعد في البلاد، وقاعدة الفرات، بالإضافة إلى موقع ثالث.
وكشف مسؤولان أمريكيان، أن أكثر من 500 جندي أمريكي انسحبوا من سوريا خلال الأسابيع الماضية، بعد إغلاق قاعدتين وتسليم ثالثة إلى "قوات سوريا الديمقراطية".
ويمثل هذا الانسحاب، من دير الزور نقطة تحوّل حساسة بالنسبة للعراق، نظراً إلى الطابع الحدودي للمواقع التي أُخليت؛ ما قد يترك فراغات أمنية تستغلها خلايا "داعش" في التحرك بين البوكمال والقائم.
وتعتمد القوات العراقية، منذ سنوات، على القدرات الجوية والرصد التابع للتحالف الدولي في سوريا، لتعقّب تحركات التنظيم عبر الشريط الحدودي، خصوصاً في الممرات الصحراوية المفتوحة التي يصعب السيطرة عليها ميدانياً.
وقال الخبير في الشأن الأمني اللواء الركن المتقاعد عماد علو، إن "هذه المنطقة لن تغيب عن رصد ومراقبة القوات الأمريكية، سواء من خلال طائرات الاستطلاع أو الأقمار الصناعية أو الجهد الاستخباري، بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبل الولايات المتحدة".
وأكد علو خلال حديث مع "إرم نيوز" أن "عملية الانسحاب أو إعادة التموضع الأمريكي لن تؤثر في الجانب الأمني، سواء في المنطقة الشرقية من سوريا، أو على الحدود العراقية السورية أو داخل العمق العراقي".
وتابع أن "هذه المنطقة ستبقى دائماً تحت الرصد والهيمنة الأمريكية، لأهميتها الجيوسياسية، خاصة في إطار الصراع بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني، بعد تراجع النفوذ الإيراني وانكسار ما يُعرف بالهلال الشيعي، ولذلك فإن واشنطن ستبقى داعمة للتواجد العسكري".
وتكتسب منطقة شرق الفرات أهمية استراتيجية كونها غنية بالغاز والنفط، وتشكل عقدة تنافس إقليمي بين واشنطن وطهران وأنقرة. ومع التوتر المستمر بين المحورين الأمريكي والإيراني، تمثل هذه البقعة أهمية كبيرة للولايات المتحدة كجزء من سياستها لاحتواء النفوذ الإيراني وكسر ما يُعرف بمحور "الهلال الشيعي"، الذي يمتد من طهران حتى جنوب لبنان.
ويمتد الشريط الحدودي بين العراق وسوريا لمسافة تقارب 600 كيلومتر، تبدأ من ربيعة في نينوى حتى القائم في الأنبار، ويمر عبر تضاريس صحراوية وجبلية معقدة، غالباً ما استخدمتها خلايا "داعش" للتمويه والتنقل.
وأثيرت تساؤلات في العراق عن إمكانية حصول تغيير في جدولة انسحاب قوات التحالف، في ظل التطورات الأخيرة شرق سوريا، وما رافقها من إخلاء لقواعد استراتيجية كانت تمثل خط دفاع متقدمًا بوجه تسلّل التنظيمات المتطرفة عبر الحدود المشتركة.
ويخشى مراقبون من أن يؤدي أي تخفيف إضافي لهذا الوجود إلى خلخلة منظومة الرصد والتنسيق الأمني، خصوصًا مع بقاء بعض المناطق الحدودية عرضة لاختراقات أمنية متكررة.
ونقلت وسائل إعلام عراقية عن "البنتاغون" تأكيده أن خطة انسحاب القوات الأمريكية من العراق لا تزال تسير ضمن الإطار المعلن، دون وجود أي تغييرات أو تأخيرات نتيجة للتطورات الإقليمية الأخيرة.