أثار إطلاق "الهوية البصرية" الجديدة لسوريا جدلا واسعا، إذ عدّه خبراء تجاوزاً للإطار القانوني، متسائلين عن شرعيته وأهدافه السياسية، وعن جدوى تقديم الرموز على الإصلاحات في ظل أوضاع معيشية خانقة، وغياب أي بنية حقيقية لمؤسسات تمثل الدولة أو تخدم الناس.
وتكمن المشكلة في أن تغيير الهوية البصرية للدولة يتطلب إصدار قانون من هيئة تشريعية منتخبة، وهو شرط غير متحقق في الواقع السوري الحالي، كما أن التوقيت يبدو مفارقاً في ظل الأزمات المعيشية والاقتصادية الخانقة التي يعيشها السوريون.
ويحذر الخبراء من أن هذه الخطوة تمثل محاولة لفرض سردية سياسية جديدة دون مشاركة شعبية حقيقية، ما يعكس نزعة سلطوية تتعارض مع مبادئ الشرعية الدستورية.
سردية رمزية
وحول هذا الموضوع، قال الكاتب والباحث السياسي، مالك الحافظ، إن إطلاق "الهوية البصرية الجديدة لسوريا" من قِبل السلطة الانتقالية، هو فعل سياسي بامتياز، يحمل دلالات عميقة تتعلق بتثبيت صورة السلطة في المخيال العام، ومحاولة فرض سردية رمزية جديدة عن الدولة السورية ما بعد الأسد.
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن ما يُثير الريبة، بل ويستفز قطاعات واسعة من السوريين، هو توقيت هذا الإعلان ومضمونه، لا سيما في ظل أوضاع معيشية خانقة، وغياب أي بنية حقيقية لمؤسسات تمثل الدولة أو تخدم الناس فعلياً.
وأردف، أن أول ما يُلاحظ في هذا القرار هو خرقه الصريح للبند الخامس من الإعلان الدستوري السوري المؤقت، الذي ينص على ما يلي: "يُحدَّد شعار الدولة بقانون".
وأوضح أن وفق هذا النص، فإن تعديل أو إقرار أي شعار أو هوية بصرية للدولة يجب أن يتم من خلال قانون صادر عن هيئة تشريعية منتخبة، لكن الواقع يشير إلى أنه لا يوجد مجلس شعب منتخب في سوريا حالياً يمكنه إقرار هذا القانون، وحتى في حال تم تشكيل "برلمان انتقالي"، فإن غياب الانتخابات والشرعية الشعبية يجعل أي قانون صادر عنه فاقداً لأي مصداقية ديمقراطية.
رؤية أحادية
وأشار إلى أن ما حصل فعلياً هو أن السلطة التنفيذية المؤقتة، وهي بطبيعتها سلطة محدودة الصلاحيات؛ قامت باغتصاب صلاحية تشريعية جوهرية، وتصرفت كما لو أنها تمثل دولة مكتملة الأركان، في حين أن إعلانها الدستوري نفسه يمنعها من اتخاذ قرارات بهذا الحجم دون تفويض شعبي وقانوني.
وبيّن أن هذا الانتهاك يكشف عن نزعة سلطوية خفية، تسعى لتكريس رمزية الدولة الجديدة دون المرور بمراحلها الشرعية، مما يجعل الهوية البصرية الجديدة واجهة سياسية قسرية.
وتابع، في بلد يعاني كثيراً فإن الحديث عن "هوية بصرية" جديدة يبدو فصلاً هزلياً في مسرح بيروقراطي عاجز، فبدلاً من التركيز على تأمين الحاجات الأساسية، تنشغل السلطة بـ"تسويق شعار"، وكأنها تدير شركة ناشئة وليس دولة في طور الانبعاث من ركام الاستبداد والدمار. وفق قوله.
وختم بقوله، إن هذه "الهوية البصرية" صُمّمت دون أي مشاورات وطنية، أو استفتاء شعبي، أو مشاركة من القوى الاجتماعية والمدنية في الداخل والخارج، هوية تم فرضها واختزلت سوريا في رؤية أحادية مسطّحة، تُعبّر عن مزاج السلطة، لا عن تنوّع السوريين.
مخالفة دستورية
بينما اعتبر الخبير القانوني والناشط في مجال حقوق الإنسان، ميشال شماس أن معظم مؤيدي السلطة يعتبرون أي شيء تقوم به السلطة هو إنجاز، ويواجهون كل من يعارضهم، وبالعكس، فإن المعارضين يتعاملون بالرفض المطلق للسلطة وما تفعله.
وأضاف شماس لـ"إرم نيوز" أنه شخصياً لم يسمع سابقاً بمسألة "الهوية البصرية"، مبيّناً أن من الناحية القانونية شعار الدولة يصدر بقانون وفق المادة الخامسة من الإعلان الدستوري، وبهذا تخالف السلطة الإعلان الذي وضعته.
وأشار شماس إلى أنه لا يجوز أن يؤسس بناء الدولة على مخالفة الدستور والقانون، والدولة يجب أن تلتزم بالقوانين قبل المحكومين.