سلطت تقارير عبرية الضوء على الطريقة التي تتعامل بها حركة "حماس" مع ملف جثث الرهائن الإسرائيليين القتلى الذين لا يزالون لديها، وإدراكها أنها الجدار الأخير أمام نوايا نتنياهو لإشعال قطاع غزة مجدداً.
وترى أوساط إسرائيلية سياسية وأمنية أن الجناح المسلح للحركة "كتائب القسام" يتعامل بمبدأ "التقطير" من خلال المماطلة في تسليم جميع جثث الرهائن المتبقية، انطلاقاً من الرغبة الأكيدة في "شراء الوقت" مع إسرائيل.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية "كان"، اليوم السبت، نقلاً عن مصادر أمنية أن حركة "حماس" لا تزال تحتجز 18 جثة لرهائن إسرائيليين، على الأقل، داخل قطاع غزة بعد تسليمها 10 جثث، منذ اتفاق ترامب.
ويسود الترقب في الأوساط الإسرائيلية والفلسطينية وصول مبعوث ترامب الخاص ستيف ويتكوف وصهر الرئيس جاريد كوشنر، إلى المنطقة من أجل تقديم دفعة لجهود تثبيت وقف الحرب والبدء بتطبيق المرحلة الثانية من الاتفاق، بحسب قناة "كان" العبرية.
وإسرائيل على يقين الآن أكثر من أي وقت مضى أن "القسام" تستغل وقف الحرب من أجل التقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الوضع الداخلي، تنظيمياً وهيكلياً، إلى جانب فرض السيطرة الأمنية على قطاع غزة أمام الميليشيات.
ويذهب محللون إسرائيليون لأبعد من ذلك بالقول إن "القسام" تعمل على ترميم الأنفاق ورص الصفوف وإعادة بناء قدراتها العسكرية ومحاولة البحث عن موارد بشرية وقتالية ومالية للصمود أطول وقت ممكن لو استؤنفت الحرب.
وقالت إسرائيل في ساعة متأخرة من مساء الجمعة إن الصليب الأحمر سلم للجيش الإسرائيلي جثة رهينة آخر من الذين لقوا حتفهم في غزة، وسط خلاف حول تأخير إعادة الرفات بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.
وهذه هي الجثة الـ10 التي تتسلمها إسرائيل من أصل 28 جثة محتجزة في غزة، وتتبقى 18 جثة، فيما عزت "حماس" التأخير في تسليم الجثث إلى مشكلات فنية وصعوبات لوجستية تتعلق بآليات التعامل مع المواقع.
وقال أكثر من قيادي في الحركة إن هناك حاجة ماسة إلى آليات ثقيلة ومعدات حفر لتسريع عملية تحديد أماكن الجثث المدفونة تحت الأنقاض، التي بعضها يوجد على عمق 7 طوابق وأخرى توجد بجوار قنابل لم تنفجر.
وخرج غازي حمد القيادي في الحركة وعضو الوفد المفاوض، لتأكيد ذلك، في تصريح له، الجمعة، قال فيه إن هناك صعوبات وتعقيدات تتعلق بقضية إخراج جثث الرهائن نتيجة تغيير معالم القطاع جراء الحرب الإسرائيلية.
وتتهم إسرائيل حركة "حماس" بشكل يومي وعلى لسان قادة دوائرها كافة السياسية والأمنية بالمماطلة في تسليم جثث الرهائن، مؤكدة أن "حماس" تعلم تماماً مواقع الجثث الإسرائيلية لكنها لا تريد تسليمها لكسب الوقت.
بالتوازي مع ذلك، يحاول نتنياهو التقاط الأنفاس وتثبيت أقدامه في الساحة السياسية وإعادة ميل كفة الميزان بين مكونات الائتلاف اليميني الحاكم الذي عانى من تصدعات كثيرة بسبب الوزيرين سموتريتش وبن غفير.
وكشفت قناة "كان" العبرية، في تقرير لها، أن نتنياهو اتخذ قراراً بتبكير موعد إجراء الانتخابات التشريعية الخاصة بالبرلمان "الكنسيت"، قبل نحو عامل كامل من موعدها المحدد، وفق القانون الإسرائيلي.
وحدّد نتنياهو شهر يونيو/ حزيران 2026 كموعد مستهدف لإجراء الانتخابات العامة للكنيست، أي قبل 4 أشهر من الموعد الرسمي، حيث يُفترض أن تُجرى الانتخابات في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2026 وفق القانون.
وكانت إسرائيل، التي تصر على أن "حماس" تعرف أماكن جثث الرهائن، قالت إن "الوقت ينفد أمام الحركة"، لكن تقارير عبرية مؤخراً أكدت أن ترامب يمارس ضغوطاً شديدة على نتنياهو لكبح رغبته في معاقبة "حماس".
ورغم كل ما يتم الحديث عن تعمدها تأخير تسليم جثث الرهائن وتذرعها بالكثير من الصعوبات الميدانية، إلا أن "حماس" تؤكد أنها لا تزال ملتزمة باتفاق وقف إطلاق النار وتسليم جثث جميع الرهائن المتبقين.
وألقت هذه المسألة بظلالها على اتفاق وقف إطلاق النار، وهو المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المكونة من 20 نقطة لإنهاء الحرب، وسط مخاوف من تعثرها وعدم الوصول إلى بدء المرحلة الثانية.
وحذرت تركيا من إقدام إسرائيل على استغلال عجز "حماس" عن الوصول إلى مواقع الجثث، من أجل خرق الهدنة الحالية، وفي مؤتمر صحفي بأنقرة، قال وزير الخارجية هاكان فيدان إن "التصريحات الإسرائيلية مثيرة للقلق".
وأضاف: "هل ستستغل إسرائيل عجز حماس عن العثور على الجثث تحت الأنقاض ذريعة لخرق وقف إطلاق النار؟ هناك قلق في المجتمع الدولي حيال هذا الأمر"، على حد تعبيره.
وفي وقت سابق السبت، حثت "حماس" الوسطاء على الضغط من أجل تنفيذ الخطوات التالية في اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، بما في ذلك إعادة فتح الحدود والسماح بدخول المساعدات وبدء إعادة الإعمار وتشكيل إدارة واستكمال الانسحاب الإسرائيلي.
وتوقف القتال إلى حد كبير في غزة بموجب خطة ترامب التي أيدتها مصر وقطر وتركيا التي شاركت في الوساطة. وأطلقت حركة "حماس" في وقت سابق هذا الأسبوع سراح العشرين رهينة الأحياء لديها، وكانت احتجزتهم وآخرين منذ هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وقالت إسرائيل، الخميس، إنها تستعد لإعادة فتح معبر رفح للسماح للفلسطينيين بالدخول والخروج، لكنها لم تحدد موعدا لذلك في وقت تتبادل فيه اللوم مع حركة "حماس" بشأن انتهاكات وقف إطلاق النار.