قالت صحيفة التايمز البريطانية إن الدمار في غزة بلغ مستوى غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، حيث أظهرت أحدث بيانات الأمم المتحدة، المأخوذة من صور الأقمار الصناعية بين 22 و23 سبتمبر/أيلول، أن نحو 83% من جميع مباني مدينة غزة قد تضررت، بما في ذلك نحو 17,734 مبنًى دُمِّر بالكامل.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد تصوّر في البداية إعادة تطوير جذرية على طراز "الريفييرا" للقطاع الساحلي الممتد على طول 25 ميلاً، والتي من شأنها أن تُحوّل غزة إلى ساحةٍ للفنادق والمنتجعات الفاخرة، حيث يُدفع لسكانها ثمن مغادرتها والعيش في أماكن أخرى.
ومنذ ذلك الحين، تبنّى خطة أقل تطرفًا، بدعم من رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، لإعادة إعمار غزة لمواطنيها.
ولا تزال التفاصيل غامضة، وهناك بعض المخططات المختلفة المتداولة، لكن رجل أعمال غزّي المولد ومقرّبًا من بلير، توقّع أن تشمل الخطة شبكة واسعة من الوحدات السكنية على الجانب الغربي من القطاع على طول الساحل، مع ميناء جديد يُشيَّد على جزيرة. وقال إنّه من الجهة الشرقية، ستكون هناك ثلاث مجموعات من مناطق التنمية الاقتصادية والزراعية على طول الحدود مع إسرائيل.
وقال أندرياس كريج، الأستاذ المُشارك في كلية الدراسات الأمنية في كينغز كوليدج لندن، وزميل معهد دراسات الشرق الأوسط، إن إعادة الإعمار ستكون فريدة من نوعها في التاريخ الحديث.
واستشهد بسراييفو، التي حوصرت وقُصفت في حروب يوغوسلافيا؛ وغروزني، التي دمّرتها الهجمات الروسية في الشيشان؛ والموصل، التي دمرها تنظيم داعش في العراق، قائلاً: "هناك سوابق، لكن هذه المرة مختلفة تمامًا. كانت هناك مدينة واحدة – وهنا أربعة أضعاف ذلك – شريط شاسع من الأرض".
وأضاف أن هناك مليوني شخص يعيشون بين الأنقاض، ويحتاج الكثير منهم إلى ملاجئ مؤقتة ومدارس ومستشفيات.
وهناك فرق جوهري آخر؛ إذ يحتاج مواطنو غزة إلى بدء العمل الآن، لكن التقدم سيكون بطيئًا في ظل وجود مقاتلي حماس المدججين بالسلاح في الأنفاق وبين المواطنين. وهناك حاجة إلى قوة حفظ سلام لإحلال الأمن قبل وصول كميات كبيرة من التمويل والمعدات اللازمة لإعادة الإعمار.
ومع ذلك، تُقدّم المدن التي مزّقتها الحروب سابقًا دروسًا مفيدة. وقال فيليب بوفرات، المدير التنفيذي السابق في شركة JCB لتصنيع معدات البناء، وهو خبير مخضرم في مشاريع إعادة بناء المدن الكبرى ويعمل حاليًا مع فرق في أوكرانيا: "هناك برنامج لوجستي شامل يجب اتباعه".
بعبارات بسيطة، يتم ذلك على النحو التالي: توفير مياه شرب آمنة، وصرف صحي، ومأوى مؤقت؛ رسم مخطط لشبكة طرق، ومدّ الكهرباء بجانبها؛ إزالة الأنقاض؛ ثم إحضار عمال البناء.
كل مرحلة أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه. فقد قدّرت الأمم المتحدة أن هناك 54 مليون طن من الأنقاض التي يتعين إزالتها في غزة. وللتوضيح، فإن تدمير الموصل في العراق خلّف 8 ملايين طن.
وحذّر بوفرات من أن الأمر لا يقتصر على استخدام المعدات الثقيلة: "تلك الأنقاض مليئة بالذخائر غير المنفجرة – ذخيرة حية. يجب إجراء مسح شامل لأن الاقتراب منها في الوقت الحالي خطير للغاية".
وقال إن حجم مهمة تفكيك القنابل في غزة كبير لدرجة أن شركات خاصة قد تتدخل باستخدام طائرات بدون طيار ورادارات أرضية لتحديد المخاطر. وتزداد خطورة مهمة التطهير بسبب مئات الأميال من الأنفاق التي حفرتها حماس، والتي تُشكّل خطر انهيار دائم.
بعد تأمين الأنقاض، يمكن للحفّارات نقلها. سيتم فرز كل شيء – يدويًا في كثير من الأحيان – لإعادة تدوير أكبر قدر ممكن. سيتم سحق الخرسانة واستخدامها كأساس لتعبيد الطرق ومواقف السيارات.
ومن المرجّح أن تحذو غزة حذو الموصل، حيث أنشأت السلطات المحلية منشأة ضخمة لإعادة التدوير، مما وفّر فرص عمل ضرورية للغاية للأشخاص الذين فقدوا منازلهم ووظائفهم.
وسيتم بعد ذلك تهيئة مواقع في كل منطقة لإقامة متاجر ومدارس ومستشفيات مؤقتة وحديثة، يمكن بناؤها بسرعة. وسيتم إنشاء مخيمات مؤقتة وتوفير الخدمات اللازمة لها محليًا، ليتمكن الناس من العيش بالقرب من منازلهم القديمة، بدلًا من العيش في المخيمات الكبيرة في وسط وجنوب غزة، حيث يقيم معظمهم الآن.
ومن المتوقع عقد قمة رئيسة في مصر، يحضرها ترامب وقادة عرب وأوروبيون، لوضع خطة البناء وتأمين التمويل، والذي من المرجح أن يتطلب ما لا يقل عن 50 مليار دولار، وفقًا للبنك الدولي.