رغم الضغوط الأمريكية المتزايدة على الحكومة اللبنانية لنزع سلاح حزب الله، يؤكد زعيم الميليشيا نعيم قاسم، أن الحزب لن يتخلى عن أسلحته، وسط مواجهة سياسية محتدمة وخيارات محدودة للطرفين، فيما فرضت المطالب الأمريكية والإسرائيلية على الحكومة اللبنانية لنزع سلاح حزب الله ضغوطًا غير مسبوقة، ما ترك لها خيارات محدودة: المواجهة، أو التنازل، أو المماطلة المدروسة لتجنب نزع السلاح بالقوة.
وتفاقمت الضغوط على حزب الله في أوائل أغسطس/آب، عندما كلف رئيس الوزراء نواف سلام الجيش اللبناني بوضع خطة، يُتوقع تقديمها في 31 أغسطس/آب، لتفكيك جميع الميليشيات بحلول نهاية العام، وفقاً لـ"المونيتور".
وصوّتت أغلبية مجلس الوزراء على اعتماد نقاط رئيسية من خارطة الطريق الأمريكية، التي تلزم حزب الله بنزع سلاحه بالكامل لوقف الهجمات الإسرائيلية؛ لكن وزراء من حزب الله وحركة أمل امتنعوا عن التصويت وغادروا الجلسة احتجاجًا.
يواصل حزب الله رفض الدعوات لنزع سلاحه غير المشروط، مطالبًا بحوار وطني حول استراتيجية دفاعية شاملة، على أن تنسحب إسرائيل أولاً من الأراضي اللبنانية وتوقف ضرباتها العسكرية، وهو ما يعتبره محللون تكتيكًا للمماطلة.
ويرى الخبراء أن نية الحكومة استعادة احتكار الدولة للأسلحة ورفض حزب الله تسليم أسلحته سيؤجج مواجهة سياسية ويترك الطرفين أمام خيارات محدودة للغاية.
ومنذ توقيع وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية وفرنسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بدأت الحكومة اللبنانية تطبيقه عبر نشر قواتها جنوب نهر الليطاني، وتفكيك أكثر من 500 منشأة عسكرية تابعة لحزب الله، لإعادة فرض سلطة الدولة.
وفي المقابل، تواصل إسرائيل احتلال خمسة مواقع استراتيجية في الجنوب، وتشن ضربات شبه يومية على مواقع مزعومة للحزب.
ويقول الجيش الإسرائيلي إن الغارات تستهدف عناصره في محاولة لإعادة تنظيم صفوفه، بينما يلتزم حزب الله بوقف إطلاق النار.
كما تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا دبلوماسية مكثفة على الحكومة، حيث التقى الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الوزراء سلام عدة مرات بالمبعوثين الأمريكيين توم باراك ومورغان أورتاغوس، سعياً لضمان استعادة الدولة للاحتكار العسكري وتأمين المساعدات الدولية، مع الضغط على الحكومة لنزع سلاح حزب الله.
في مواجهة الضغوط، أكد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم مرارًا أن الجماعة لن تتخلى عن أسلحتها، محذرًا الحكومة اللبنانية من التدخل الأمريكي.
وقال: "اتخذت الحكومة قرارًا آثمًا بنزع سلاح المقاومة. لن نتخلى عن السلاح الذي عززنا"، وأضاف: "إذا استمرت الحكومة الحالية فلا يمكن الوثوق بها في الحفاظ على سيادة لبنان".
في السياق، يرى الخبراء أن خيارات حزب الله محدودة: الاحتجاج الشعبي، الضغط على الوزراء المؤيدين للحزب للاستقالة، أو استخدام القوة ضد الجيش.
ويشير ديفيد وود، محلل شؤون لبنان لدى مجموعة الأزمات الدولية، إلى أن الخيار الأخير يعيد إلى الأذهان مواجهات 2006-2008، عندما تحدى الحزب الحكومة واندلعت اشتباكات مع خصوم سياسيين، انتهت باتفاق الدوحة في 2008 وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
حتى الآن، اقتصرت الاحتجاجات على نطاق محدود، وتم تأجيل مظاهرة كانت مقررة هذا الأسبوع، وفق بيان مشترك لحزب الله وحركة أمل، "انطلاقًا من المسؤولية الوطنية والرغبة في وحدة الصف والحوار البناء حول القضايا المصيرية".
ويؤكد الخبراء أن حزب الله يلعب على عامل الوقت، محافظًا على سلاحه دون أن يعيق التقدم نحو وقف دائم للأعمال العدائية مع إسرائيل أو المواجهة مع الجيش اللبناني.
ويستند الحزب إلى دعم واسع من المجتمع الشيعي، بما في ذلك من لا يدعمونه مباشرة، الذين يعتبرون محاولات نزع السلاح تهديدًا طائفيًا للمجتمع ككل.
كما يشير نيكولاس بلانفورد، زميل المجلس الأطلسي، إلى أن حزب الله يستفيد من شعور الطائفة الشيعية بالتهديد، ما يمنحه هامشًا أوسع للتحرك، ويستغل الضغط على الحكومة لتأخير تنفيذ نزع السلاح.
وتظهر استطلاعات الرأي أن 85% من الشيعة يثقون بالحزب، مقابل 9% من السنة و9% من الدروز و6% من المسيحيين، ما يعكس الدعم المجتمعي الكبير له داخل طائفته.
على الرغم من تقدم الحكومة، فإن خياراتها محدودة أيضًا؛ فإن التعاون مع حزب الله يبدو مستبعدًا، ورفضه يضع الحكومة أمام خيارين صعبين: مواجهة الحزب أو المخاطرة بالتصعيد مع إسرائيل.
ويُحذر المحللون من أن أي تباطؤ في نزع السلاح قد يدفع إسرائيل لتوسيع عملياتها العسكرية، فيما قد يرد حزب الله بدعم من إيران، رغم تحفظه عن اتخاذ خطوات عسكرية مباشرة ضد الدولة اللبنانية.
تدعم إيران موقف حزب الله ماليًا وعسكريًا، لكنها تواجه قيودًا بسبب الضربات الإسرائيلية والأمريكية الأخيرة التي أثرت على قدرات الحزب.
ورغم كل الدعم، يبقى من غير الواضح مدى قدرة إيران على مساعدة الحزب في مقاومة نزع السلاح في ظل الظروف الراهنة.