"تشاهد هضابًا ومدنًا وبنايات داخل إسرائيل من شمال مدينة غزة"، بهذه الكلمات يصف المحامي عبدالله شرشرة حجم الدمار الهائل في منطقة شمال المدينة بعد أن عاد إليها مشيًا على الأقدام.

ويقول شرشرة الذي قطع 27 كيلومترًا للوصول لما تبقى من منزله ومنازل ذويه عقب إعادة تموضع الجيش الإسرائيلي إلى خطوط الانسحاب داخل قطاع غزة، وفق اتفاق وقف إطلاق النار، إن "أعداد المنازل التي دمرت بالآلاف هذه المرة".
وأشار في حديثه، لـ"إرم نيوز"، إلى "رائحة الموت" في شارع الرشيد الساحلي الذي عبره خلال رحلة عودته، بعد أن دفنت جرافات وآليات إسرائيلية جثامين فلسطينيين قتلوا خلال نزوحهم من شمال غزة لجنوب ووسط القطاع.
وأضاف خلال وصفه رحلة عودته من وسط قطاع غزة، حيث مكان نزوحه هو وعائلته إلى مدينة غزة، أن "الاحتلال أخطأ مرتين في خلق ظروف تكرر مشهد العودة مرتين متتاليتين، ما أعاد إلى الأذهان بشكل لا إرادي حلم العودة الكبرى إلى الأراضي التي هُجِّرنا منها عام 1948".

من جانبه، قال مدير المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إسماعيل الثوابتة، لـ"إرم نيوز"، إن "قرابة 400 ألف فلسطيني تمكنوا من العودة لمدينة غزة وشمال القطاع"، منذ إعلان وقف إطلاق النار.

ووسط أكوام الركام قرب مقر المجلس التشريعي الفلسطيني المدمر بمدينة غزة، احتشد العشرات من الفلسطينيين للاحتفال بعودتهم لعودة للمدينة.
وأطلق المحتشدون أبواق سياراتهم ورددوا أهازيج شعبية احتفالاً بعودتهم لمدينتهم، يقول الشاب خالد الريس وهو يتوسطهم: "رغم كل شيء نحب غزة، كل شيء فيها مختلف عن أي مكان بالعالم".
ويضيف الريس، لـ"إرم نيوز": "المهم أن الحرب انتهت وتوقف شلال الدم"، وعن الركام يقول: "أغلب منازل هذه المدينة بُنيت مرات ومرات، سنعمرها من جديد".
تصف الشابة آية حمدان خبر وقف إطلاق النار في قطاع غزة بأنه "حلم"، إلا أنها تشير إلى "مشاعر بين الحزن والصدمة" خلال عودتها لمنطقة شارع الجلاء حيث كانت تسكن عائلتها.

وتقول حمدان، لـ"إرم نيوز": "لم نستطع الانتظار، حملنا أمتعتنا منذ إعلان وقف إطلاق النار وانتقلنا لمدينة غزة"، تضيف: "كنا نأمل أن نجد منزلاً أو بقايا منزل لكن اكتشفنا أن غالبية الحي قد تدمر بشكل كامل".
قررت عائلة الشابة حمدان الإقامة في منزل عند أقاربها لحين تجهيز موقع مؤقت لنصب خيمة تؤوي عائلتها، وتستدرك: "مقبلون على حياة أكثر قسوة بسبب الدمار الكبير في غزة".
الشكوك والمخوف لا زالت حاضرة في عيون الغزيين
رغم الفرح الذي بعثه إعلان بدء تنفيذ المرحلة الأولى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، لا تزال الشكوك والمخاوف تحاصر الغزيين بعد عامين من الحرب، خلفت واقعًا مأساويًّا من أن تعود الحرب بسبب تعثر تطبيق الاتفاق.
يقول خالد السلطان إنه "عاد لمنطقة سكنه في جباليا البلد، رغم علمه أن المنطقة مدمرة بشكل كامل".

ويضيف، لـ"إرم نيوز": "هذا خامس بيت تفقده العائلة منذ بدء الحرب، لا نعلم أين سنقيم، لكننا سنبحث عن موقع لإنشاء خيمة قرب منزلنا المدمر".
لا يبدي السلطان تفاؤلاً باستمرار سريان اتفاق وقف إطلاق النار، ويستكمل: "الاتفاق يواجه عقبات كثيرة ومن الواضح أنه لن يستمر".
تقول الشابة سماح شاهين، إن "الواقع في غزة يزداد سوءًا، ترامب لا يعلم الحقيقة، لم يرَ حجم الدمار والظلم الواقع علينا".
وتوضح، لـ"إرم نيوز"، أن الأهالي تأقلموا مؤقتاً خلال الهدنة الماضية، وعادوا للعيش في الشمال ولو بخيام بسيطة، لكن سرعان ما تجدد النزوح والمعاناة بشكل أقسى، مضيفة: "رجعنا لدوامة الخوف، وكأن كل مرة نرجع فيها نُعاقَب أكثر".

تعبّر شاهين، النازحة لمنطقة دير البلح وسط القطاع، عن حالة القلق التي تعيشها العائلات في غزة، قائلة إن "الخوف من فشل المفاوضات ما زال يطغى على الأجواء، لم يتفقوا على باقي المراحل، ونحن أمام نارين، هل نعود أم ستتجدد الحرب مرة أخرى ونبدأ من جديد؟".
وتضيف أن "الواقع بات أشبه بالعصر الحجري، حياة في خيام، دون مقومات للعيش أو كرامة"، مشيرة إلى أن فكرة مغادرة غزة أصبحت خياراً مطروحاً بعد غياب الأمل بالتعليم أو المستقبل.