رأى خبراء ومراقبون أن قرار الحكومة العراقية سحب قوات الحشد الشعبي، من الشريط الحدودي مع سوريا، واستبدالها بـ"حشد العتبات" المرتبط رسمياً برئاسة الوزراء، يمثل تحوّلاً أمنياً يحمل رسائل تهدئة إقليمية ودولية.
وقال مصدر أمني عراقي لـ"إرم نيوز"، إن "أوامر صدرت بإنهاء تكليف واجب وحدات من الحشد الشعبي المنتشرة على الشريط الحدودي مع سوريا، لا سيما في مناطق: القائم، والكرابلة، والرمانة، وذلك في إطار إعادة تنظيم الانتشار الأمني على الحدود الغربية للبلاد".
وأوضح المصدر الذي طلب حجب اسمه، أنه "تم نشر قوات من (حشد العتبات)، باعتبارها تتمتع بانضباط عالٍ وارتباط مباشر برئاسة الوزراء، لتتولى مهام مسك الأرض في المناطق التي أُخليت، وذلك ضمن توجه حكومي لتقليل الاحتكاك، وتجنب التعرض لضربات جوية محتملة".
وبحسب المصدر، فإن "لقاء السوداني بالرئيس السوري أحمد الشرع أسفر عن تتويج تفاهم مشترك جرى، مؤخراً، لضبط أمن الحدود، شمل نشر قوات سورية نظامية قرب الشريط الحدودي، مقابل سحب وحدات من الحشد الشعبي من الجانب العراقي".
ومع سقوط نظام بشار الأسد، مطلع العام الجاري، أعادت ميليشيات ضمن الحشد الشعبي انتشارها قرب القائم والمناطق الحدودية الغربية، في خطوة أثارت القلق حينها من انزلاق العراق إلى مسرح مواجهة جديدة.
وقال الخبير في الشأن الأمني والإستراتيجي، سيف رعد إن "سحب الحشد الشعبي من الحدود العراقية السورية واستبدالها بحشد العتبات يعود، بشكل رئيس، إلى الضغوط السياسية والدولية التي تواجهها الحكومة، وعلى رأسها الضغوط الأمريكية والتحالف الدولي لتقليص نفوذ الفصائل المرتبطة بالحشد الشعبي، وذات الارتباطات المباشرة بالنظام الإيراني".
وأضاف رعد لـ"إرم نيوز"، أن "هذه الخطوة تمثل أيضاً محاولة حكومية لتعزيز السيطرة الداخلية ضمن برنامج لإعادة هيكلة المنظومة الأمنية، وتنظيم عمل هيئة الحشد الشعبي إدارياً ومالياً، كما أنها تمنح حشد العتبات شرعية أوسع بوصفه قوة منضبطة تلتزم بقرار القائد العام للقوات المسلحة، وترفض التدخل في شؤون الدول الأخرى مثل سوريا".
وأشار إلى أن "توقيت الخطوة يتزامن مع تصاعد التوتر الإقليمي، خاصة بين إيران والولايات المتحدة، وذكرى الضربات الأمريكية التي استهدفت مواقع الحشد في العام 2021، ما يدفع الحكومة العراقية إلى إعادة ترتيب قواتها لتجنب أي تصعيد محتمل، وهو ما ينسجم أيضاً مع الإصلاحات الداخلية".
ويُعرف "حشد العتبات" بأنه أحد تشكيلات الحشد الشعبي، ويتكون من 4 ألوية مرتبطة إدارياً برئاسة الوزراء، ويتبع عقائدياً المرجعية الدينية في النجف بزعامة المرجع علي السيستاني، وقد تأسس استجابةً لفتوى الجهاد الكفائي في العام 2014، دون ارتباط سياسي أو عقائدي بإيران.
وشهدت السنوات الماضية خلافات حادة بين حشد العتبات والميليشيات الأخرى المنضوية في هيئة الحشد، لاسيما تلك المرتبطة عقائدياً بالمرشد الإيراني علي خامنئي، حيث رفضت قوات العتبات المشاركة في الصراعات الإقليمية، ورفضت الانخراط في المحاور الخارجية، ما عزز صورتها كقوة منضبطة أقرب إلى الجيش النظامي من الفصائل العقائدية.
ويوم الجمعة، أفاد التلفزيون السوري بوصول رتل عسكري تابع لوزارة الدفاع السورية إلى مدينة البوكمال القريبة من الحدود العراقية، بهدف ضبط الحدود ومنع عمليات التهريب، في خطوة اعتُبرت استجابة سريعة للتفاهم الأمني الذي جرى بين بغداد ودمشق خلال زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى الدوحة.
ولطالما هيمنت ميليشيات ضمن الحشد الشعبي على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا، حيث تحوّلت تلك المناطق إلى مجال نفوذ خاص لها منذ سنوات، بالتزامن مع انخراطها في القتال إلى جانب نظام بشار الأسد.
وواجهت هذه الميليشيات اتهامات متكررة بضلوعها في تهريب الأسلحة والمخدرات بالتنسيق مع حزب الله، ما جعل الحدود الغربية للعراق واحدة من أكثر المناطق تعقيداً وتشابكاً من الناحية الأمنية.
ومنذ سقوط النظام السابق في دمشق، حافظت الحدود العراقية - السورية على هدوئها النسبي، دون تسجيل خروقات أمنية تذكر، في ظل تفاهمات غير معلنة بين الجانبين، قضت بضبط الأوضاع الميدانية، وتفادي أي تصعيد قد يعيد إشعال التوتر في تلك المناطق الحساسة.
بدوره، يرى الباحث في الشأن السياسي عبدالله الركابي، أن "صانع القرار في بغداد تحديداً رئيس الحكومة، بات يدرك طبيعة التحولات الإقليمية الجارية، ويتفاعل معها بشكل مدروس، بما يحقق مصلحة الدولة العراقية بعيداً عن الاصطفافات الحادة".
وأضاف الركابي، لـ"إرم نيوز" أن الانفتاح الأخير تجاه سوريا لا يُقرأ من زاوية العلاقة مع دمشق فقط، بل يُفهم في سياق أوسع يتعلق بالتقارب مع القوى الدولية المؤثرة في الملف السوري".
ولفت إلى أن "التحرك الأخير على الحدود يأتي ضمن هذا السياق، وهي خطوة استباقية، لتجنب أي تداعيات سواءً في الملف السوري، أو نتائج المفاوضات الإيرانية - الأمريكية".