في الوقت الذي تتوغل فيه الدبابات الإسرائيلية داخل مدينة غزة تنفيذا لخطة الاجتياح التي بدأها الجيش الإسرائيلي، لا يبدو أن طريق نجاح العملية سيكون سالكا، أو سريعا كما يريده نتنياهو تنفيذا لرغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
تبدو المطبات التي يواجهها الجنود الإسرائيليون كثيرة ومتنوعة، بل وخطرة في بعض الأحيان، ما يطرح تساؤلات عن طبيعة هذه العملية؟ وهل تؤشر الأيام الماضية أنها قد تحقق أهدافها كما يريدها المستوى السياسي؟ وماذا عن ميقاتها الزماني؟
يقول مراقبون إن المستوى السياسي في إسرائيل وخاصة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يدرك أن النتائج لن تكون واضحة بما يحقق "الانتصار الكامل"، الذي وعد به الرجل في عدة مرات مدفوعا بضغوط قوية من وزراء اليمين المتطرف خاصة الثنائي بن غفير وسموتريتش.
وبعد أيام من انطلاق عملية الاجتياح البري الكامل، تؤكد معطيات الميدان أن مخاوف رئيس الأركان يائير زامير كانت في محلها، فغزة التي بدت قطاعا مدمرا لم تكن أكثر من حقل ألغام دخله الجيش الإسرائيلي بلا خطة واضحة ولا أهداف، ولعل عملية كتائب القسام اليوم تثبت نوعية الصعاب التي واجهت وستواجه الجنود كلما تقدموا نحو وسط مدينة غزة، كبرى مدن القطاع.
وأظهر مقطع فيديو نشرته كتائب القسام، نجاحها في إيقاع آليات عسكرية للجيش الإسرائيلي، فيما وصفته بأنه "حقل عبوات شرق مفترق الصفطاوي" غرب معسكر جباليا ضمن سلسلة عمليات أطلقت عليها "عصا موسى".
ويقول اللواء محمد عبد الواحد، مستشار الأمن القومي والعلاقات الدولية، في تصريح خاص لـ"إرم نيوز"، إن "عملية عربات جدعون 2 مختلفة عن الأولى عربات جدعون 1، التي كان الهدف منها اجتياح القطاع بالكامل، وفعلا حققت بعض النجاح بحيث سيطرت على 70% من مساحة القطاع".
وأشار اللواء عبد الواحد، إلى أن "عملية جدعون 2 التي بدأت منذ 10 أيام، تناط بها مهمة إكمال السيطرة على القطاع، وتعتمد على القصف الشديد عبر الطائرات والمدفعية فضلا عن الدبابات مع دخول عربات مفخخة (وهي عبارة عن عربات قديمة مدرعة يتم تلغيمها عبر وضع متفجرات شديدة الانفجار تزن من 3 إلى 8 طن)، وهو ما جعلنا نشك في أنها تحمل يورانيوم منضب بسبب قوة الانفجار الذي تحدثه، لكن الجيش في الحقيقة يستخدم مواد محفزة، وهي محرمة دوليا، لأن الانفجار الذي تحدثه لا يفرق بين مدني وعسكري".
وكشف اللواء محمد عبد الواحد، أن "العملية في غزة كان مخططا لها أن يدخل الجيش الإسرائيلي من الشمال باتجاه شارع 8، لكنه غير الخطة وبدأ الاجتياح من الشمال الغربي ومن الجنوب الغربي حيث يوجد محور نتساريم، الذي سيسهل هذه العملية، خاصة موجة النزوح"، موضحا أنه "تم حتى الآن نزوح أكثر من 500 ألف شخص، وهناك 600 ألف ما زالوا يرفضون المغادرة، وهو ما يجعلنا نتوقع أن تكون هناك خسائر كبيرة في الأرواح"، وفق قوله.
وأشار اللواء إلى أن "الفرق المشاركة حتى الآن هي الفرقة 162 مدرعات والفرقة 98، وربما يتم الدفع بفرق أخرى، خاصة وأن الجيش يحاول تقليل معدلات الاحتكاك المباشر بين عناصره وفصائل المقاومة، لكن هذا لن يحدث لأن المقاومة تواجه هذه الخطة من خلال الكمائن".
وفيما يتعلق بتوقيت انتهاء هذه العملية، أكد اللواء عبد الواحد في حديثه لـ"إرم نيوز"، أنه "لا أحد يمكنه تخمين توقيت لانتهاء عملية عربات جدعون 2، حتى الإسرائيليين والأمريكيين ليس لديهم أي تصور، فهذه الحرب مستمرة منذ عامين ولا يوجد أفق لنهايتها".
واليوم الجمعة، حذر الجيش الإسرائيلي أنه سيستخدم "قوة غير مسبوقة" في مدينة غزة، معلناً إغلاق شارع صلاح الدين أمام المواطنين الذين أنذرهم بضرورة إخلاء المدينة والتوجه جنوباً عبر شارع الرشيد الساحلي.
ويقول الصحفي الفلسطيني هشام برهوم، في تصريح لـ"إرم نيوز"، إن "سكان غزة، كما هو واضح للجميع باتوا محصورين في منطقة ضيقة جدا، بسبب أوامر الإخلاء، وفوضوية التحذيرات التي يصدرها الجيش الإسرائيلي، والتي لا يربط بينها سوى الرحيل من الشمال، والتوجه جنوبا".
وأشار هشام، إلى أن "الحديث عن نجاح العملية العسكرية الإسرائيلية سابق لأوانه، لكن جانب التهجير منها يسير بوتيرة أسرع من العمليات العسكرية"، لافتا إلى أن "هناك عشرات الآلاف يصرون على البقاء في مدينة غزة شمالا ويرفضون المغادرة، ليس بسبب عدم خوفهم من الاستهداف، لكن نظرا لغياب وجهة ينزحون إليها"، وفق تعبيره.
ومع توسيع الجيش الإسرائيلي للعملية في مدينة غزة، كشف بيان لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، جانبا من معاناة الغزيين، مؤكدة أن كلفة النزوح من مدينة غزة إلى جنوب القطاع تفوق ثلاثة آلاف دولار، وسط اكتظاظ المساحات لإقامة خيام وعدم حصول المواطنين على أي دخل.
وقالت الوكالة، عبر منصة "إكس"، إن "كلفة النزوح في مدينة غزة تحت العمليات العسكرية الإسرائيلية المكثفة تبلغ 3180 دولاراً"، موضحة أن "أجرة النقل تكلف 1000 دولار، وشراء خيمة عائلية 2000 دولار، وتأجير قطعة الأرض التي تقام عليها الخيمة 180 دولاراً".
ويقول الصحفي هشام في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن "الأهالي في غزة ملوا النزوح المكلف في كل الاتجاهات، خاصة وأنه لا توجد منطقة آمنة"، مشيرا إلى أن "الجيش الإسرائيلي يمعن في إرهاقهم فعندما يتجمعوا في منطقة يطلب إخلاءها إلى أخرى وأحيانا كثيرة يقصفهم، وآخر مثال على ذلك إغلاق محور صلاح الدين، وطلبه من النازحين التوجه لشارع الرشيد".
من جانبه يرى اللواء محمد عبد الواحد، أن هدف إسرائيل حاليا هو "حشد السكان في المناطق الجنوبية خاصة منطقتي المواصي ورفح، ومن هناك يحدد هل سيتم تهجيرهم تهجيرا قسريا، أو يقوم بقتلهم كما نشاهد الآن حيث يقتل يوميا ما بين 70 إلى 100 شخص".
وأشار عبد الواحد في تصريح لـ"إرم نيوز" إلى أن "المجتمع الدولي اعتاد على هذا الحجم من القتل، وهو ما جعل الجيش الإسرائيلي يواصل عملية تصفية الفلسطينيين، والهدف هو تقليل الكثافة السكانية لأهالي غزة، وبالتالي خلق جو غير قابل للحياة البشرية"، على حد وصفه.