رفضت مصادر حكومية لبنانية رفيعة المستوى، تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص توماس باراك، قال فيها إن نفوذ ميليشيا حزب الله في الحكومة تسبب بفشل خطة واشنطن المسماة "محاولة أخيرة"، والتي تتضمن نزع السلاح بشكل تدريجي في لبنان بإشراف أمريكي ـ فرنسي.
وأكدت المصادر، لـ"إرم نيوز"، أن تصريحات باراك ليست سوى "غسل يديه من الفشل في مهمته" بخصوص دعم لبنان في حصر السلاح تحت سلطة الدولة، وإنهاء ترسانة حزب الله العسكرية.
وأوضحت أن الحكومة ذهبت إلى نزع السلاح من خلال الجيش اللبناني، لكن الأمر يتعلق بقدرة باراك على إنجاز مهمته، الذي تحدث وانتقد أكثر من الفعل والقيام بدوره، وفق تعبير المصادر.
وقالت المصادر، إن باراك يخلط الأوراق ويوحي بـ"محاولة أخيرة"، وكأنه تقدم بخطة جديدة "مقترح"، وأنه بذل كل الجهد، وهو الأمر الذي لم يحدث.
واتهمت المصادر باراك بأنه "لم يقدم ما هو مطلوب منه كمبعوث لديه مهمة مكلف بإتمامها بنجاح، بالإضافة إلى أنه كان دائمًا يصد لبنان في تقديم أي دعم لإنجاز أي بند من قائمة طويلة من أشكال المساعدات المطلوبة، فضلًا عن تعامله الذي كان متخبطًا، وهو ما انعكس كثيرًا في العلن".
وبينت أن باراك كان يحضر إلى بيروت لفرض ضغوط على الحكومة اللبنانية دون تقديم أي دعم أو حلول عملية، وخروجه مؤخرًا بهذه التصريحات "المتخبطة"، ليس سوى توجيه رسالة إلى الإدارة الأمريكية، مفادها بأن أي انتقادات لأدائه في مهمته بلبنان، ليست تقصيرًا منه.
وتساءلت المصادر عن قصد باراك بـ"محاولة أخيرة"، التي يظهر أنها خطة جديدة من جانبه لنزع السلاح، مؤكدة على أن الحكومة اللبنانية ترجمت الخطة الأمريكية التي قدمها باراك في قرارات لنزع السلاح، ولم تجد أي جهد من جانب المبعوث الأمريكي لتقديم الحد الأدنى من العمل لنزع سلاح حزب الله، سواء بالدعم الأمريكي أو الدولي للجيش اللبناني لتقوية وتطوير معداته وآلياته والكلفة المالية لزيادة عدد عناصر الجيش.
والأهم من ذلك، على حد قول المصادر، إن باراك لم ينجح في العمل الذي كان يراه غير مطلوب منه، بالضغط على إسرائيل لوقف الاعتداءات على الجنوب لقيام الجيش بعملية نزع السلاح من جنوب الليطاني بالشكل المأمول، ولم يتفاعل مع تقارير الاعتداءات الإسرائيلية المقدمة من قوات حفظ السلام "اليونيفيل".
واستكملت المصادر بأن المبعوث عليه تذليل العقبات والتعاون والتفكير مع كافة الأطراف، وأن يقدم لبلاده ما ينجز لإتمام مهمته بنجاح، لكن باراك كان أضعف من ذلك بكثير، وعلى العكس، لم يكن مهندسًا لأحد أهم الوعود المتعلقة بعمل الدولة على سحب السلاح من حزب الله بعد إضفاء الشرعية على ذلك بالقرار الحكومي، وهو ما يتمثل في تقديم الدعم الذي يحتاجه الجيش اللبناني من خلال بلاده، وأن يدفعها أيضًا لحث دول عربية وغربية على تقديم الدعم العسكري للبنان.
وبحسب المصادر، فإن باراك عندما جاء إلى بيروت بخطته كان يعلم جيدًا إمكانيات الجيش اللبناني، وكان خلال التباحث حولها مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وقائد الجيش، يؤكد أنه بمجرد اتخاذ الدولة قرار نزع السلاح سيكون التحرك فورًا بتقديم المساعدات، لكنه لم يستطيع تحريك بلاده نحو ذلك، ليقف وهو يملك شيئا واحدا، هو انتقاد لبنان، حتى يشوش على فشله.
وكان المبعوث الأمريكي توماس باراك، قد صرح مؤخرًا، أن نفوذ حزب الله في الحكومة اللبنانية عطل خطة نزع سلاح الميليشيا، مشيرًا إلى أن هذا السلاح يهدد الأمن الإقليمي برمته.
وأضاف باراك، في تصريحات صحفية، أن سوريا هي الاختبار الحقيقي لاستدامة النظام الإقليمي الجديد، مشيرًا إلى أن لبنان هو الامتداد الطبيعي لعملية السلام بعد سوريا، ونزع سلاح "حزب الله" شرط أساس لتحقيق الأمن الإقليمي.
وفي هذا السياق، قال الباحث في العلاقات الدولية، عماد شدياق، إن واشنطن، عبر باراك، لا تملك حتى الآن أي مشروع جدي للبنان، واصفًا المواقف الأمريكية بـ"الفارغة" ، فضلا عن أنها تعرض "السياديين" في لبنان إلى الخطر، حيث تضعف مواقفهم بالداخل، بينما تتهافت إسرائيل وتتوحش في ضرب جنوب لبنان دون احترام الاتفاقيات الدولية، مما يعني أن هذه الضربات تقدم لتكون أهم حجة لحزب الله، للتمسك أكثر بسلاحه على قاعدة: "انظروا كيف لا تحترم إسرائيل الاتفاقات".
وبين شدياق، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن تصريحات باراك الأخيرة تعكس أنه لم يعد ذا ثقل دبلوماسي، ولم يعد ذا أهمية من جانب إدارته في لبنان، لاسيما في ظل الحديث عن قرب إنهاء مهمته كمبعوث رئاسي في المنطقة.
وأوضح أن السياسيين في لبنان باتوا على علم أن باراك يطلق المواقف على طريقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دون أي خلفية متماسكة، أو معطيات جدية، لمجرد التشويش ليس أكثر.
وأكد أن التفاهم بين الولايات المتحدة ولبنان كان قائمًا على أنه مع بناء المؤسسات بانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة، يتم تقديم المساعدات لاسيما العسكرية، سواء من الولايات المتحدة والدول الصديقة، لكن ما جرى أن لبنان قدم خطوات مهمة أبرزها إقرار خطة نزع السلاح، لكن الجيش لم يحصل على المساعدات التي تجعله يقوم بالمهام المطلوبة في هذا الصدد.
وتابع شدياق أن واشنطن أقرت مؤخرًا مساعدات في حدود 240 مليون دولار، ولم تدفع هذه الأموال حتى اللحظة، في وقت يقتضي فيه المنطق أنه إذا كان بالفعل هناك عمل على حصر السلاح في يد الدولة، والفرض على حزب الله تسليم سلاحه، أن يتم تقوية تسليح الجيش اللبناني ليكون بقدر هذه المهمة.
واستطرد شدياق: "المجتمع الدولي كان مطالبًا مع لبنان بطمأنة المهجرين من الجنوب، لسحبهم من حضن حزب الله إلى حضن الدولة، وليس تركهم للتنظيم بهذا الشكل، لكن تخلي المجتمع الدولي عن وعوده بدعم الجيش اللبناني لحصر السلاح، يظهر وكأن المجتمع الدولي لا يريد نزع سلاح حزب الله".
وختم شدياق بالقول إن لبنان لم يتم واجباته؛ لأنه لم يتم دعمه من المجتمع الدولي في السير بتنفيذ خطة نزع السلاح.