قدّم مجلس الشيوخ الفرنسي بدعم من اليمين المتطرف والوسط، تقريرا يقترح إعادة التفاوض، أو إدانة اتفاق الهجرة مع الجزائريين لعام 1968، وهو التحرك الذي ينظر إليه مراقبون بأنه يستهدف تحقيق أصوات انتخابية في سياق التوتر المتزايد بين البلدين.
وانتهت مهمة تقصي الحقائق التي أطلقها مجلس الشيوخ بشأن اتفاقيات الهجرة الدولية، والتي بدأت في ربيع عام 2024، بخلافات حول اقتراح حساس يدعو الحكومة لمراجعة التعاون الفرنسي الجزائري، وتضمن النص ضرورة "الشروع في جولة جديدة من المفاوضات مع الجزائر من أجل إعادة التوازن إلى النظام الخاص بالدخول إلى الإقامة والتنقل المنصوص عليه في اتفاق 27 ديسمبر 1968".
وفي سياق التوترات الدبلوماسية بين البلدين، يشدد تقرير مجلس الشيوخ "التبصّر في الآثار المترتبة على أيّ فشل محتمل للمفاوضات من خلال إنهاء تطبيق الاتفاق". وقال السيناتور عن حزب "آفاق" يمين الوسط أوليفييه بيتز، خلال نقاش بمجلس الشيوخ، إن "التاريخ الغني والمؤلم بين بلدينا لا يمكن أن يبرر حقيقة تفضيل الهجرة من أصل جزائري".
وأثار هذا الاقتراح انتقادات من اليسار الفرنسي، وبذلك، نأت الممثلة الاشتراكية في هذه المهمة الاستطلاعية، كورين ناراسيجوين، بنفسها عن التقرير الذي كان من المفترض في البداية أن تشارك في كتابته، موضحة "أن التنديد بهذه الاتفاقية هو استفزاز، ولا يخدم أيًّا من بلدينا".
وتابعت أن "هذه إشارة سيئة للغاية تم إرسالها إلى كل الجزائريين والجزائريين الفرنسيين المتواجدين على أراضينا". ومع ذلك، تم اعتماد التقرير من قبل لجنة القانون بأصوات اليمين وجزء كبير من الوسطيين، وهو تحالف الأغلبية في مجلس الشيوخ.
وقال المختص في السياسة وأستاذ علوم الإعلام بجامعة الجزائر الدكتور العيد زغلامي، إن بلاده أصبحت في قلب الصراع السياسي بين اليمين واليمين المتطرف من جهة واليسار من جهة أخرى، وذلك على آفاق انتخابات 2027 الرئاسية القادمة.
ويرى زغلامي، لـ"إرم نيوز"، أن "الجزائر تحولت إلى قضية فرنسية داخلية بامتياز، بحيث تتصارع عليها كل الأطياف السياسية"، وفي نفس الوقت "اليمين المتطرف في شخص وزيري الداخلية والعدل الفرنسيين يصعّدان من اللهجة بإيعاز من الجبهة الوطنية الفرنسية سابقا، لا لشيء سوى لربح أصوات وحسابات انتخابية"، حسب قوله.
وأكد انقسام الساحة السياسية الفرنسية بين اليمين واليسار ممثلا في صوت فرنسا المتزن، وهما رئيس الوزراء الأسبق، دومينيك دوفيلبان، والمترشحة الرئاسية السابقة سيغولين رويال، وهذان الشخصان عبرا عن وجهات نظر ترفض محاولات الإساءة للجزائر، حيث فضحوا مساعي اليمين محاولة تصدير مشاكلهم للخارج، إلى جنب وزير الخارجية ووزراء آخرين استعملوا لهجة أقل حدة، وقال إنه مستعد للذهاب لزيارة الجزائر.
والاتفاق الثنائي الموقع في 27 ديسمبر 1968، ينشئ وضعا فريدا للمواطنين الجزائريين فيما يتعلق بالتنقل والإقامة والعمل، مع الدخول إلى فرنسا والوصول السريع إلى إصدار تصريح إقامة لمدة 10 سنوات، على سبيل المثال.
ويأتي اقتراح مجلس الشيوخ متوافقا مع موقف وزير الداخلية برونو ريتيلو، حيث أعرب عن رغبته في "إعادة وضع هذا الاتفاق على طاولة التفاوض، والذي يعتبره باليا وشوّه الهجرة"، حسب قوله.
وتقترح بعثة مجلس الشيوخ أيضا، على غرار وزير العدل الفرنسي جيرالد دارمانين، "وضع حد لتطبيق اتفاق 16 ديسمبر 2013 الذي يسمح للنخبة الجزائرية" بالسفر إلى فرنسا دون تأشيرة.
لكن السلطات الفرنسية بدأت في مراجعة من جانب واحد لتصاريح الإقامة للجزائريين بناء على الأرقام الرسمية الأخيرة، إذ لأول مرة في تاريخ العلاقات بين البلدين منحت الحكومة الفرنسية عام 2023، 31943 تصريح إقامة لجزائريين، في مقابل ما يناهز 36648 تصريح إقامة للمغربيين، أي أن تصاريح الجزائريين كانت أقل بنحو 5 آلاف تصريح.
وفي حوار مع صحيفة "لوبينيون" الفرنسية، ندد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بـ"المناخ السيء" للعلاقات بين البلدين، معترفا بأن الحوار "انقطع عمليا"، وعبر عن رفضه مطالب إلغاء اتفاقية 68، وتساءل: "لماذا نلغي نصًّا تم مراجعته في عام 1985 و1994 و2001؟"، مسلطًا الضوء على كيفية استغلال بعض الساسة الفرنسيين لهذا الموضوع لمهاجمة الاتفاقيات الفرنسية الجزائرية الأوسع نطاقًا، بما في ذلك اتفاقيات إيفيان لعام 1962 التي أنهت الحكم الاستعماري.
وتراجعت آمال نهاية التوتر منذ توقيف السلطات الجزائرية للكاتب الحاصل على الجنسية الفرنسية بوعلام صنصال لدى زيارته الجزائر في نهاية نوفمبر الماضي.